بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:
بتاريخ 6 جمادى الاولى 1446هـ الموافق له 8 تشرين الثاني 2024م
هل علينا ان نحب القتال؟
تعددت الآيات في القرآن الكريم التي تعاتب المؤمنين او بعضهم، اثر ترددهم في الاقدام على القتال، وادان الذين تمنوا ان يهديهم الله الى افضل الاعمال قربة الى الله، فلما اخبرهم ان الجهاد هو ذروة سنام الاسلام، اذا بعضهم ينكث ويتمنى شيئا آخر، ولنلاحظ اهمية هذه الآيات:
اولا: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)) (البقرة) ، اكد تعالى هنا ان الخير والشر ليسا مرتبطين بما نحب وبما نكره، بل بما يختاره تعالى لنا.
ثانيا: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)) (النساء)، عتاب واضح بأن هذا الفريق من المؤمنين تمنى ألاّ يفرض القتال عليهم، خوفاً من الموت وحباً في الحياة.
ثالثا: حتى اهل بدر وهم من خيرة المؤمين، ظهرت فئة منهم تمنت غير ذات الشوكة، تمنوا الحصول على القافلة دون القتال (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)) (الانفال).
رابعا: في سورة محمد واسمها ايضا سورة القتال (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ (20))، تأكيد ايضا لهذا النوع من المسلمين.
وبالتالي يظهر لنا ان من طبيعة البشر انهم لا يحبون القتال وما يترتب عليه من موت وتهجير وخسائر، ولكن المطلوب من الانسان ان يرتفع الى مستوى المسؤولية الشرعية، كما يطلب من الناس مثلاً ان يقلعوا عن حب الشهوات والمحرمات والانانيات والظلم، وكل ذلك مما فطرت عليه النفس البشرية، الأمّارة بالسوء، وبالتالي ارتفعت نفوس الصحابة الى هذا المستوى، فقال سيدنا علي بن ابي طالب، على سبيل المثال، عندما سُئل عمّا يحب قال: (الصوم بالصيف، وقِرى الضيف، والضرب بالسيف).
وعلينا ان نعيد الى الاذهان القصة الاستثنائية المذكورة في السيرة النبوية، وذلك في غزوة مؤتة، حيث نصّب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة للقيادة، زيد بن حارثة، ثم جعفر بن ابي طالب، ثم عبد الله بن رواحة، فاستشهد القائدان واصبح ابن رواحة أمام حتمية الموت، فتردد لوقت قصير، وخاطب نفسه وكأنه يخاطب شخصاً آخر ، فقال:
أَقسَمتُ يا نَفسُ لَتَنزِلِنَّه
لَتَنزِلِنَّه أَو لا لَتُكرَهِنَّه
إِن أَجلَبَ الناسُ وَشَدّوا الرَنَّة
ما لي أَراكِ تَكرَهينَ الجَنَّة
قَد طالَما قَد كُنتِ مُطمَئِنَّة
هَل أَنتِ إِلّا نُطفَةٌ في شَنَّه
يا نفس إن لا تقتلي تموتي
هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت
إن تفعلي فعلهما هديت
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ينزل عليه الوحي ويخبر من حوله بأحداث الغزوة البعيدة، فقال استشهد زيد ثم استشهد جعفر وأبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة، ثم قال رأيت عبد الله بن رواحة في الجنة ورأيت في سريره (ازورارا) عن سرير صاحبيْه، اي ان مرتبته في الجنة أقل بقليل من صاحبيه، لانه تردد عند الموت.
هكذا يفترض من الانسان ان يُخضع نفسه لشريعة الله، عندما يتحدث الناس اليوم عن حبهم للحياة، وان المسلمين يدعون الى الموت فهم يزورون الحقائق، نحن لا نحب الموت والقتال لأجل الموت ولكن عندما تحتاج الامة، عندما يحتاج البلد الى بذل الدماء لتحرير الارض ودحر العدو، فان الموت يصبح سبيلاً لا بد منه للوصول الى الاهداف الكبرى، اما الذين يتحدثون عن الاستسلام وتسليم السلاح، فمنطقهم غير المنطق الشرعي، اهدافهم ارضاء اسيادهم في الخارج وليس السيادة اللبنانية او المصلحة الوطنية، وتاريخهم يشهد بذلك، ان تاريخهم يشهد بأنهم فشلوا في كافة خياراتهم السياسية والامنية ولم يقدموا للوطن اي خير ولم يحققوا الا الخسائر والتقهقر، اليوم ينصّبون انفسهم وكأنهم الحريصون على الوطن وعلى المصلحة العامة اكثر من الذين بذلوا الدماء للتحرير والاصلاح.
لن يكون لهم ما ارادوا، المقاومة لا تزال تحتفظ بسلاح نوعي لم يطلق بعد، وسيتألم الصهيوني حتى يطلب وقف اطلاق النار، كما قال الامين العام الشيخ نعيم، باذن الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في رسالة ترامب الى اللبنانيين كلمة تحمل معاني مرفوضة، وهو قوله انه يريد السلام الشامل، او انه يريد وقف اطلاق النار بشكل نهائي، فيما يعني امرْين مرفوضين، الاول سلام سياسي دائم وشامل مع اسرائيل، وهذا ما يرفضه لبنان، والثاني كأنه يقصد انه لن يأمر بوقف اطلاق النار حتى يتم القضاء على المقاومة بشكل كامل، وهو ما لن يحصل باذن الله، وستنتصر المقاومة وستنكشف سياسة المراوغة والنفاق الاميركية التي مارسها (بايدن) بأسوأ الاشكال، ولن يختلف ترامب عنه، والله اعلم، الا بالقليل، بالاسلوب والمظاهر وان الجميع في اميركا اوليتهم (امن اسرائيل).
رابط فيديو: خطبة الجمعة: 8-11-2024: https://youtu.be/G7mVZ7aD6BE