العقل السليم

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 15 جمادى الاولى 1444هـ الموافق له 9 كانون الاول 2022م

العقل السليم

خلق الله العقل ليدلنا على الصراط المستقيم وليخرجنا من الحيْرة في الامور الملتبسة، جعل الله تعالى هذا العقل اداة معرفة وجعل له قدرات محدودة ، فليس  مؤهلا لان يكتشف الغيب مثلاً، وان يطلع على المستقبل، ولكنه في الحال الطبيعي يوصل الى النتيجة السليمة، الا ان تعطله الاهواء والكبرياء والشهوات والعصبية، امام هذه الصفات يتعطل العقل تماماً ويودي بصاحبه الى المهالك، من اقوال الانبياء مثلا: ” قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ …” (ابراهيم – 10)، يعني العقل السليم يوصل الى الايمان بالله، كما وجه تعالى كلامه للمشركين: ” قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ” (سبأ – 46)، يعني باختصار قوموا، كل واحد بمفرده او تحاوروا بين بعضكم واجيبوا عن سؤال واحد: هل محمد مجنون؟ فاذا لم يكن مجنوناً فإذن هو نبي.

وكذلك اهتدى الى الاسلام مثلا، عدي بن حاتم الطائي، ابن حاتم الطائي المشهور بالكرم، عندما وضع في ذهنه سؤالاً، هذا الرجل الذي يدعو الناس لطاعته والايمان به، إمّا ملكٌ يريد التعالي على قومه، واما نبي، كما يقول، ليس ثمة احتمال ثالث، فعندما تبين له انه ليس بملك، فهو يتصرف بتواضع وتقشف … الخ، قال اذن هو نبي، هكذا اسلم.

العقل السليم يدل على الطريق السليم، الا ان يسيطر عليه الكبرياء والعصبية والشهوة وغيرها كما ذكرنا وباختصار… ان الحياة السياسية في لبنان تعطل فيها العقل السليم امام الشهوة والكبرياء والتعصب، والا باختصار،مثلاً، هل يحتاج اجتماع مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية لاقرار بنود ضرورية؟ هل يحتاج الى هذا الحجم من الجدال؟، رئيس التيار الوطني الحر مصاب بعدة امراض تمنع عقله ومن معه الى الوصول الى اكتشاف المصلحة الوطنية، وعلى رأسها ما يسميه علماء النفس بالنرجسية، وهو الاعجاب المفرط بالنفس، والذي يجعل صاحبه يؤمن انه يستحق المناصب العالية وانه مؤهل لان ينقذ “البشرية”، وان يُخرج الناس من الظلمات الى النور (!!!).

اننا نؤكد ان هذا الضجيج الذي رافق اجتماع مجلس الوزراء الاخير ناتج عن التعصب وعن عجز البعض، وهم كثر، عن التسليم بحقائق ديمغرافية وسياسية ومصلحية حصلت في بنية النظام اللبناني خلال العقود الاخيرة، وقد عبر عنها الرئيس الحريري رحمه الله عندما قال: اوقفنا العد، يعني بذلك ان المسلمين في لبنان، ومن باب حرصهم على هذا الكيان اللبناني والمصلحة العامة، لا يتصرفون كأكثرية مقابل اقلية، كما تقتضي الديمقراطية، حرصا على استمرارية هذا الكيان، وعلى المسيحيين او من يدعي انهم يمثلهم، بالمقابل الا يعمدوا الى سلاح التعطيل، بحجة اوهام تتلخص بان المسلمين يسيطرون على الكيان اللبناني، كما حصل سابقا، في موضوع حراس الاحراش والجمارك والناجحين في مجلس الخدمة المدنية …الخ، فليكن الضجيج والحوار في امور تستحق النقاش، اما تعطيل شؤون الناس والمصالح العامة بمثل هذه الحجج الواهية، فانها تدل على امراض مستعصية ولا تنتج من عقل سليم.

اما المقارنة بين محاولة التعطيل اليوم والتعطيل الذي سبق انتخاب العماد ميشال عون، فهي مقارنة لا تصح: والتعطيل الاول هدف الى ارضاء المسيحيين بانتخاب الرئيس الاكثر تمثيلاً من قبل فريق اسلامي وازن، واليوم يهدف التعطيل الى ارضاء نزوة شخصية وامراض نفسية، تقدم على انها مصلحة المسيحيين وهي ليست كذلك على الاطلاق.

ولئن نجح “التعطيل” الاول بشكل أو بآخر أو فشل، وسواء حقق الهدف أم لا، فان النوايا خلفه كانت نظيفة “طاهرة”، واما اليوم فالتعطيل تفوح منه رائحة الانانية والفردية والتعصب الزميم، فشتان… ولا حول ولا قوة الا بالله.