بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:
بتاريخ 10 رجب 1446هـ الموافق له 10 كانون الثاني 2024م
رئيس لبناني !
نعم هو رئيس لبناني، بكل ما في الكلمة من معنى، مع الاخذ بعين الاعتبار ظروفنا المعقدة، والتاريخ المتشابك للكيان اللبناني، وعجز اللبنانيين عن التوافق … الخ، والذي نستطيع تأكيده ان 28 نائباً لبنانياً أتو بالرئيس جوزاف عون، اما الواحد والسبعون الذين انتخبوا في الدورة الاولى فبعضهم ادلى بصوته بقناعته الشخصية وآخرون، معروفون جداً، لم ينتخبوا الا بضغط وتهديد اميركي، وحقيبة سعودية، “ومونة” فرنسية … الخ، وباختصار: ان ما حصل هو افضل ما يمكن ضمن ظروفنا المعقدة والتفاصيل التي عشناها خلال فترة الفراغ، اي منذ سنتين وشهرين ونيف.
اما عن موضوع التدخل الخارجي “والتهويل” الذي سمعناه فلا بد من توضيح:
اولا: ان لبنان: منذ ان أنشيء هو نتيجة تدخل خارجي ابتداءً من نظام القائمقامتين عام 1840 وثم نظام المتصرفية 1860 الى لبنان الكبير الى الاستقلال عام 1943 الى انتخاب كل رؤساء الجمهورية، كل ذلك كان دائماً يتم بتدخل خارجي مباشر او غير مباشر … الخ، فليس الامر جديداً علينا، نعم هذه المرة كان التدخل واضحاً في اليومين الاخيرين الذين سبقا الانتخاب ، وهذا بما كسبت ايدينا.
ثانياً: ان مسؤولية التدخل الخارجي تقع بشكل رئيسي على من يدعي تمثيل الموارنة، بحيث انهم لو اتفقوا على اي شخص لفرضوه على الجميع، ولكن انانياتهم وضيق الافق الذي يتمتعون به وخلافاتهم المبنية على تنافس شخصي بعيداً عن اي مصلحة وطنية، كل ذلك استدعى التدخل الخارجي.
ثالثاً: لا بد ان نؤكد ان زعماء الموارنة فشلوا في حفظ “الامانة” التي سلمهم اياها المجتمع الدولي، فانه من المعلوم ان لبنان كُرّس تاريخياً ليكون ملاذاً للمسيحيين في الشرق، واتى اليه المسيحيون من العراق وارمينيا وجُنّس الفلسطينيون المسيحيون كلهم … الخ. وهنا يطرح سؤال تاريخي: هل كان هؤلاء الزعماء على مستوى هذه الامانة؟ بالتأكيد لا: فقد ظلموا الآخرين وحرموهم وأهملوا المناطق التي ضُمت الى جبل لبنان، وبعضهم نهب، وبعضهم قتل، وبعضهم استدعى الاميركي، وبعضهم استدعى الاسرائيلي، حتى وصلنا الى اتفاق الطائف، الذي قلص صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحد الادنى، وكانوا يستحقون ذلك باستثناء القليل منهم.
وهنا لا بد ان نذكر ان المستقيم منهم كالرئيس فؤاد شهاب ، والذي اسس اركان لبنان المؤسسات، لم يتعامل معه عامة الموارنة كزعيم حقيقي، لم يكرسوه ممثلاً للمارونية السياسية، بل عمدوا الى حصاره واتهامه بأشكال متنوعة ، والامثلة كثيرة لذلك.
رابعاً: هل لبنان هو الوحيد الذي يتدخل فيه الاجنبي؟ هل السيسي جاء برغبة الشعب المصري، هل ما يفعله محمد بن سلمان برغبة من الشعب السعودي، أم لارضاء الاجنبي؟ هل خرائط العالم العربي والاسلامي، صناعة محلية؟ ان الانكسار الموجود في خريطة الاردن، على سبيل المثال، سماه البريطانيون عطسة تشرشل، وكأن هذه الزاوية التي لا قيمة لها من الصحراء ما بين السعودية والاردن، حصلت بسبب عطسة عطسها تشرشل خلال رسمه للخريطة…الخ.
خامسا: حتى الدول الكبرى تم الحديث فيها عن تدخل اجنبي، ألم يتم اتهام ترامب في ولايته الاولى انه حصل على دعم روسي لوجسيتي وتقني أم غير ذلك؟ ألم يتحدث البعض ان الذي اتى بماكرون الى رئاسة فرنسا هي زوجته، لانها تنتمي الى عائلة روتشيلد الصهيونية التي تمول اسرائيل؟.
سادسا: كان على القوات اللبنانية في الرد علينا، ان يكونوا اكثر تواضعاً واقرب الى الحقيقة، فلن يصدق احدٌ ان حاجز البربارة كان ملاذاً للخائفين والهاربين من الظلم السوري، ولن تستطيع كل البيانات والخطب الرنانة ان تمحو عار المذابح والخطف الذي مورس على اللبنانيين من قبل القوات اللبنانية ومن غيرهم.
كان من المفترض ان يقر البيان، بان القوات مارست كل الموبقات كغيرها، ولكنهم يدعون الى طي هذه الصفحة المؤلمة، ويدعون لفتح غيرها، ولكن الواقع يقول انهم لا يستطيعون ذلك، لانهم لم يمارسوا نقدا ذاتيا، ولم نسمع انهم تراجعوا عن كل الموبقات التي ارتكبوها، انما عمدوا الى تبرير ذلك، فيما قام كثيرون غيرهم بعملية نقد ذاتي واعتراف بالاخطاء.
وكان على جعجع عندما طرح نفسه كمرشح رئاسي ان يتذكر تماما انه خرج من السجن بعفو عام، بقانون فُصّل على قياسه بمقايضة لم تكن منصفة في وقتها، وان ممارسة العمل السياسي هو استثناء ينبغي ان يتم في اضيق اطار ممكن.
سابعاً: من وجهة النظر الاسلامية علينا ان ندعم كل جهد يهدف الى احقاق الحق وابطال الباطل واقامة العدل تحت عنوان حلف الفضول، وهو حلف حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان عمره خمسا وعشرين عاما، اي قبل النبوة بخمسة عشر عاما، ذلك ان رجلاً من العرب ظُلم في مكة، وهي ام القرى وعاصمة الحجاز، ووقف خطيباً فقال، يا معشر قريش، الا يوجد منك من ينصر الضعيف وينصف المظلوم؟ فتداعى عدد من وجهاء مكة، وتوافقوا على نصرة اي مظلوم حتى لو كان الظالم قرشياً، وتوافق ان بعضاً منهم كان يسمى الفضل، او فضيل، او ابو الفضل، فسمي حلف الفضول على اسمهم، وقال صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، لقد حضرت في دار عبدالله ابن جدعان حلفاً لو دعيت الى مثله في الاسلام لأجبت، فأمر هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعاون من أجل نصرة المظلوم وانصاف المغبون، ونحن هنا ندعو، انطلاقاً من خطاب القسم المدروس بعناية، ان ندعم الرئيس الجديد للوصول الى الاهداف التي اعلنها، عسى ان نخرج من الفساد والمحسوبية والطائفية والانحراف الى العدالة والمساواة، وانصاف المظلومين …الخ.
ثامنا: ان الحديث عن عدم دستورية انتخاب الرئيس عون، أمر مبالغ فيه، فبالنظر لعدم وجود رئيس جمهورية، وباعتبار ان مجلس النواب يفقد صفته التشريعية بغياب الرئيس، وبالنظر لكافة الظروف الاستثنائية ، فان مشاركة اكثر من ثلثي مجلس النواب في الانتخاب يعتبر بمثابة تعديل للدستور، وانه من الاجدى ان نعمل بروح القانون وروحية الدستور، لا ان نسجن انفسنا بتفسير ضيق لمادة من الدستور، فرضتها ظروف استثنائية في وقتها.
تاسعاً: ان المواصفات الشخصية للرئيس عون تدفعنا الى التفاؤل، واهمها انه مستقيم على المستوى الشخصي ولقد ضرب امثالاً في هذا الامر في قيادة الجيش ، خاصة عندما منع تدخل السياسيين في انتخابات المدرسة الحربية وتوجه بعد ذلك الى التلامذة الضباط قائلاً لهم بكل ثقة: لن يستطيع اي سياسي او مسؤول ان يمّن على احدكم بأنه أتى بأي منكم، لم يأت أحد منكم الا بكفاءته من خلال الامتحان الشفهي والخطي والرياضي … الخ، وبالتالي فان مناقبيته تدعونا للتفاؤل، وان الامثلة على استقامته كثيرة، ندعو له بالتوفيق والصمود في وجه ما نتوقعه من ضغوط خارجية ، خاصة في وجه المقاومة وأهلها… والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.