نبني على الايجابيات

    بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 11 جمادى الآخرة 1446هـ الموافق له 13 كانون الاول 2024م

نبني على الايجابيات

اولا: اننا نعتقد ان كل تغيير يحصل في الخريطة السياسية او الجغرافية في منطقتنا، يصب في تهيئة الامة للحظة التاريخية التي نؤمن بها، الا وهي زوال اسرائيل، قد نرى ان الامور تسير عكس هذا الاتجاه، بل انه يسير نحو التطبيع ونحو الاستسلام للسياسة الاميركية في المنطقة والتي، طبعا، قد بنيت كلها على دعم واسناد وتثبيت الوجود الصهيوني في المنطقة، ولكننا نقرأ الاحاديث بما يمكن ان تخفي خلفها… ونترقب…

ثانيا: لقد ذكرنا في الاسبوع الماضي اننا لا نستحق افضل مما يحصل لنا، لان الامة فشلت في امتحان فلسطين وامتحان غزة بشكل خاص، ولم تكن على المستوى المطلوب، وشملنا بذلك الحكومات والشعوب او اكثر الشعوب العربية والاسلامية، ونحن نؤكد ذلك اليوم.

ثالثا: تسارعت الاحداث بحيث فاجأ الرئيس الاسد حلفاءه كما اعداءه بسرعة خروجه من المشهد، دون ان يلقي كلمة او يودع شعبه او يوصي، مثلاً، الجيش والقوات الامنية بأن تبقى في اماكنها وان تتلقى الاوامر من الذين اصبحت الامور في ايديهم من اجل الحفاظ على مقدرات ومكتسبات الشعب السوري، ومنعا للفوضى التي قد تكون اسوأ بكثير من مجرد السقوط، او الهروب من المشهد، وقديما قيل، ان خطة الانسحاب اهم من خطة الهجوم لانها تقلل الخسائر.

لقد تكررت خطيئة الاميركي في العراق، بحيث ألغى الجيش العراقي بحجة انه جيش البعث، فسادت الفوضى لفترة طويلة، فيما الكل يعلم ان اي جيش يتغير دوره بتغير قيادته والعقيدة التي يؤمر بها … الخ.

رابعا: سنعمد الى التأكيد على الايجابيات التي تجعلنا ننظر الى المستقبل بعين التفاؤل، عسى ان نرى خيرا من حيث نتوقع او من حيث لا نتوقع:

  • الايجابية الاولى: لا شك ان الجميع تفاجأ ايجابيا بروح التعايش والتسامح التي برزت خلال الاسبوع الماضي، حيث (اعلنت جبهة تحرير الشام) والمسؤولون فيها على كل المستويات، ان ليس هنالك من انتقام ولا متابعة للافكار والانتماءات، بل تم التأكيد على ان القتل وسفك الدماء ومعاداة الآخرين، كما تمت ممارستها خلال فترة (الدولة الاسلامية)، انما هي اعمال تنتمي الى فكر الخوارج الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية، كما نقول نحن دائماً، هذا تطور نوعي يفتح الامل على المستقبل، ويغلق اكبر مصدر للقلق كان يغلف المشهد سابقا، والحمدلله رب العالمين، ونتمنى ان يتم التأكيد على هذا المبدأ وهذه الممارسة، حرصا على رضوان الله اولا وحرصا على مصلحة الشعب السوري، وتأكيدا على حقه في الحياة الكريمة، ونتمنى ان تبقى ردود الفعل في حدودها الادنى وان تتوقف عند الحد الذي حصل.
  • الايجابية الثانية: اطلاق المعتقلين الذين هم بغالبيتهم من معتقلي الرأي والمظلومين، والذين يستحقون رؤية الشمس والعودة الى اهاليهم، ولقد طغى هذا المشهد على اي مشهد آخر ووجد فيه كثيرون حجة كافية لضرورة اسقاط النظام الاسبق.
  • تشكيل حكومة انتقالية سريعا، وانتقال الحكم من رئيس الحكومة السابق الى الرئيي الحالي الذي هو ايضا اظهر مرونة تجاه الآخرين وتحدث عن طي صفحة الماضي.
  • عودة النازحين افواجا، مما يؤكد ان الشعور بالامن طغى على المشهد وعم اهلنا النازحين من سوريا الى كافة الآفاق في العالم، وكافة المظاهر الشعبية التي تعلن الابتهاج.

اما السلبيات:

  • نحاول ان نقلل منها تأكيدا على روح التفاؤل، ولكن لا بد ان نؤكد على الخوف من التغوّل الاسرائيلي الذي دمر كل المقدرات العسكرية السورية واحتلال اراض واسعة تزيد من قدرتهم على فرض شروط مهينة على الشعب السوري الشقيق، ويزيد من قساوة هذا المشهد عدم صدور اي استنكار او ادانة، او حتى اي اشارة الى ضرورة التصدي لهذا العدوان الآثم، ولو في الشكل، مما يحرك المخاوف التي رافقت الاحداث الاولى في اوائل العام 2011.
  • التركيز فقط على سلبيات النظام السوري السابق، وهي كثيرة طبعا، ولكن الشرع الحنيف يأمرنا ان نشهد بالحق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)) (النساء). لقد كان الموقف السياسي للنظام مميزا، هو النظام العربي الوحيد الذي دعم المقاومة وعرّض نفسه للحرب الكونية، ورفض الانصياع للسياسة الاميركية والحلول التي تفرض الخضوع للمشروع الصهيوني… هذه حقيقة لا تلغيها دياجير السجون ولا ظلم الاجهزة ولا الحملات الاعلامية الممولة بسخاء.

هل يستطيع الحاكمون الجدد ان يمارسوا هذا الجزء من الواجب الشرعي؟ وطبعا يطرح هنا سؤال مهم: هل تبقى ثمة ايجابيات للموقف السياسي الصلب والحازم امام امتهان المباديء الانسانية؟ سؤال في محله، وقد يكون الجواب في غاية الصعوبة، ولكن في نفس الوقت: هل كشف عن السجون العربية الآخرى: السعودية كمثال؟ هل كشف عن الخطف والقتل والاختفاء التي مارستها الميليشيات اللبنانية مثلا، والمفقودين على حاجز البربارة وغيره؟ ويؤلمنا كثيرا ان نسمع جعجع وامثاله يتحدثون عن حقوق الانسان والمخطوفين والمفقودين، وفي تاريخهم ما لا يحصى من هذه النماذج،  وماذا عن ابو غريب وغوانتانامو وسائر ما تمارسه اميركا من انتهاكات فاضحة لحقوق الانسان؟ ومثلهما كثير، ان كانت هذه اللحظة التاريخية قد جعلتنا نرى سجون سوريا فلعل سجون الآخرين ليست افضل، ولنتذكر فقط (جمال خاشقجي) وماذا حل به.

هذا بالتأكيد لا يبرر، ولكن نحاول ان نضع الامور في نصابها.

خامسا: حليف المقاومة: سؤال تاريخي: كيف ترضى المقاومة وهي ترفع اقدس الشعارات وتمارس ارقى سلوك اخلاقي، بحليف يرتكب مثل هذه المخالفات الشرعية؟ الجواب: ان المقاومة لم تكن مع هذا النظام، بل هو الذي كان مع المقاومة، بمعنى ان موقفه الفريد كان يفرض على المقاومة التعامل معه تحت العنوان الشرعي: (الضرورات تبيح المحظورات).

فلا يخفى عل احد ان ممر السلاح الرئيسي للمقاومة كان من سوريا، كما انه قدّم خدمات جلّى، نكتفي فقط بتمرير صواريخ الكورنيت عام 2006، والتي حسمت المعركة في آخر ايامها، مع تأكيدنا ان اداءه في هذا الصدد كان مختلفا جدا في العام الآخر، كما ان سيد المقاومة، اعلى الله مقامه، وكثيرين غيره، كانوا قد قدموا كثيرا من النصح بهدف اصلاح الخطايا  التي ترتكب باسم الحفاظ على الامن، وكان الجواب دائما، لا نملك اسلوبا آخر في الحفاظ على الامن، وهي ما درجت عليه الانظمة في سوريا منذ تعاقب الاغتيالات في الخمسينات، وهذه قضية شائكة تحتاج الى مقال خاص.

وكما قال ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، ان الدول مثل البشر، تمر بحالات الطفولة والشباب والشيخوخة والموت، وقد تأتي مقويات مثل أبر التقوية تزيد من عمر نظام ما، الرئيس بشار رفض أبر التقوية في السنتين الاخيرتين.

سادسا: الشعب السوري: نتمنى ان تسير الامور باتجاه اجراء انتخابات حقيقية، حتى تظهر خيارات الشعب السوري دون ضغوط ودون تشويه، اليوم ثمة عوامل كثيرة ساهمت في التغيير وليس فقط ارادة الشعب السوري، واهم هذه العوامل قانون قيصر الذي حرم عامة الشعب السوري من ابسط مقومات الحياة واحتلال الاميركي لمنابع النفط والميليشيات التركية وغيرها التي نهبت مصانع حلب وغيرها.

اُنهك الشعب السوري من خلال حرب شاركت فيها دول كثيرة وقادرة، وانفقت الاموال الهائلة حتى وصلنا الى هنا، اختصار المشهد بان الحديث عن ان ما حصل هو ما يريده الشعب السوري، فيه الكثير من المبالغة.

ننظر الى الايجابيات، ونبني عليها حتى يفتح الله على هذه الامة وتهدى الى سبيلها ومصلحتها.

ما اضيق العيش لولا فسحة الامل.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 13-12-2024: https://www.facebook.com/shekh.maherhammoud/videos/1596211410972493