معروف سعد: حقيقة ثابتة

بسم الله الرحمن الرحيم
صيدا في 15 رجب 1442
الموافق 27 شباط 2021

معروف سعد: حقيقة ثابتة

عندما أطلق الرقيب في الجيش اللبناني وقتها، مارون داود، الرصاصة القاتلة على الشهيد معروف سعد، في 26 شباط 1975، وكان يسدد بدقة كما تُظهر الصور، نسأل من جديد: هل فعل ذلك بنفسه مدفوعا بحقد شخصي مثلا أو بخفة في العقل، أم كان مأمورا من جهة اخترقت الجيش اللبناني؟ لقد ظل الجواب على هذا السؤال الطبيعي سراً من أسرار الحرب اللبنانية للأسف، ولم يكن مسموحا له أن يكشف كغيره من الأسرار الكبيرة، ولا شك أن الذين خططوا لذلك قادرون على اخفاء التحقيق بل على منعه وتهريب المعتدي، وكانت المؤامرة أكبر من أن نستطيع التصدي لها، وكانت أكثر القوى تتحرك بأوامر أو إيحاءات خارجية، وخاصة تلك القوى التي ارتبطت علانية بإسرائيل، وما لبثت أن شاركت بالاجتياح المدمر للبنان، زاعمة أن خلاص لبنان لا يكون إلا بإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان حتى لو كان ثمن ذلك تدمير لبنان على يد أعداء الإنسانية، الصهاينة.
السؤال المشروع: هل فعلا تم التحقيق مع مارون داود، كما أخبرني فخامة الرئيس عون في لقائنا في الرابية عام 2007، وكان مسؤولاً عن الجيش اللبناني في الجنوب في ذلك الوقت، لمدة سبع سنوات، وكان منزله في بيوت الضباط في عين الحلوة طريق المية ومية، أخبرني أنه أرسل الجنود جميعاً للتحقيق في ذلك الوقت، فأين التحقيق وما هي النتائج، وما مصير هذا الجندي، بل ما مصير الوطن؟ وهل كان الجيش في تلك الفترة المضطربة قادراً على ضبط الأمور، أم أن التفلت كان قد أخذ طريقه إلى الانشقاقات اللاحقة؟
مر ستة وأربعون عاما، وسيمر مثلها، ونحن نراوح مكاننا في هذا الصدد، إذ أننا ممنوعون من معرفة الحقائق التي يمكن أن تساعد في حل مشاكلنا، ومع الفارق بالقياس، نحن اليوم نمر بأزمة مشابهة ولا يستطيع أحد أن يؤكد مثلا سبب الأزمة الحكومية الحالية: هل هو فخامة الرئيس أم دولة الرئيس أم السعودية أم فرنسا، أم أمريكا أم إيران؟ وكم نسبة التدخل الحقيقي في القرار اللبناني؟… نعم نجتهد، ولنا رأينا، بل نحن جازمون برأينا وموقفنا، ولكن ليس لدرجة أن نقنع الآخرين وأن نعلن الحقائق على الملأ بالأدلة القاطعة…
وهذا اللقاء اليوم في بكركي أو هذا الحراك: هل يستطيع أحد أن يخبرنا بحقيقته وما هي آفاقه، وما هو المقصود الحقيقي من هذا الحراك؟ ومن هي الجهة التي أوحت به؟ الخ…
إذن لا نزال حيث نحن، بشكل أو بآخر، أسرار تحيط بنا وتسيّرنا وتقض مضجعنا، وتؤرق أحلامنا، وتسرق ثرواتنا، وتلغي عملتنا، وتغلق علينا الآفاق… فيما لا توجد جهة واحدة مؤهلة بأن تخبرنا الحقيقة.
إذن أيها الشهيد الحبيب، دمك الذي كان بعض وقود الفتنة الداخلية في لبنان، لا يزال يستصرخ الضمائر ويقول أين الحقيقة؟…
ولكن للأسف أكثرنا يريد اجتزاء الحقيقة ويريد معرفة الحقيقة هنا ولا يريدها هنالك، ولكن للأسف الشديد إن عُلمت الحقيقة وأقيمت لها الحجة الدامغة، كمقتل الشهيد رشيد كرامي رحمه الله، ومقتل طوني فرنجية وعائلته وعشرات معه… وجرائم أخرى معروفة هل ستتغير الأمور؟ على ما يبدو اننا لا نريد أن نعلم الحقيقة لأنها تحرجنا وتخرجنا عن مسار المؤامرة… فلن تغير الحقيقة شيئا على ما يبدو؟ هل ستخرج المجرمين من الحياة السياسية؟ هل سيكفون عن المحاضرة بالعفة في كل صغيرة وكبيرة.
لا ينبغي أن نحمّل المؤامرة فقط لمرتكبها، بل علينا أن نتحملها جميعاً بشكل أو بآخر… لأننا غير مستعدين أن نتحمل النتائج إذا ما ظهرت على ما يبدو.
رغم ذلك فهنالك حقيقة نتذكرها اليوم، كان معروف سعد بطلاً في فلسطين، في المالكية، وكان بطلا في المظاهرات المطلبية وفي مواجهة الانتداب ، وكان بطلا في “ثورة” 1958 في مجلس النواب، وعلى شاطئ البحر في صيدا اثر العواصف والأنواء البحرية التي داهمت بيوت الفقراء عام 1968، وكان كذلك في متابعة شؤون الناس ومناصرة الفقراء، وفي زهده بثيابه وسيارته وتفاصيل حياته، وختم كل ذلك بمظاهرة الصيادين في مواجهة الاحتكار والعمالة في وقت واحد، حيث كان رئيس مجلس الإدارة في نفس الوقت “بطل اضطرابات” 1958 للالتحاق بركب التآمر (مشروع آيزنهاور) أو حلف بغداد.
رغم أن كثيراً من الحقائق تخفى على بعضنا، ولكن ينبغي علينا أن نتعامل مع الحقائق الدامغة ومنها مناقب هذا الشهيد الكبير وما يمثل. معروف سعد حقيقة ثابتة رغم كل الغموض الذي يحيط بنا من كل جانب.
رحمك الله رحمة واسعة.
بقلم الشيخ ماهر حمود