الذكرى الاربعون لمجزرة صبرا وشاتيلا

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 20 صفر 1444هـ الموافق له 16 ايلول 2022م

الذكرى الاربعون لمجزرة صبرا وشاتيلا

لماذا نستذكرها؟ أليس من الافضل ان نطوي تلك الصفحات السود؟ ذلك أفضل لو كان المرتكبون قد تابوا واصلحوا ما ظهر منهم، لكن لا تزال فئة وازنة منهم تعتبر العملاء أبطالاً والقتلة قدوة ومثالاً، لقد سمعنا منذ يومين خلال احتفال تأبين “بشير الجميل” في الاشرفية كلاماً معيباً مؤسفاً، لا يمكن ان يُبنى عليه وطن او تفتح به افاق المستقبل.

مجزرة صبرا وشاتيلا هي نتيجة التعاون والتكامل بين القوات اللبنانية والكتائب، بحيث لم يكن للاجتياح ان يحصل، ولا لكل ما تلاه من مآس أن تحصل، لولا هذا “التعاون” بين القوات والصهاينة.

وبعد مرور كل هذا الوقت، لم نسمع من احد من القوات اللبنانية أن التعامل مع اسرائيل كان خطيئة الخطايا وجريمة الجرائم، بل لا يزالون يبررون لانفسهم هذه العمالة وهذه الخطايا التي لا نزال نحصد آثارها الكارثية، نعم أخطأت المقاومة الفلسطينية كثيرا واستطاع الصهيوني والاميركي باختراقاتهم العميقة في بنية مجتمعنا، ان يفاقموا من هذه الخطايا وان يستثمروها وان يقنعوا الموارنة في لبنان ان قراراً دولياً قد صدر باعطاء لبنان للفلسطينيين كوطن بديل، وبالتالي اصبح الموارنة يدافعون عن انفسهم بشراسة ويبررون لانفسهم التعامل مع الاسرائيلي لانقاذ وجودهم.

ونحن نجزم ان قرارا مثل هذا لم يصدر ولا يمكن ان يصدر، ولكنها لعبة العصا والجزرة الاميركية – الصهيونية الشهيرة.

بعد مقتل بشير الجميل اتخذ الصهاينة قرارا بتنفيذ عملية (الدماغ الحديدي) برئاسة العميد (عاموس يارون) لتنفذها فرقة استطلاع هيئة الاركان العامة (ساييرت ماتكال) والتي تقضي بالآتي:

صباح الاربعاء 15 ايلول يتم اغتيال 63 فلسطينيا من النخب المثقفة والمؤهلة للقيادة وفق لائحة اسمية، يجولون في المخيمين يطرقون الابواب بدقة لا يخطئون: يطلبون المطلوب بالاسم ويخرجونه من بيته ويطلقون طلقة واحدة في مؤخرة الرأس.

مساء الاربعاء وليله، تستقدم قوات من جيش لبنان الجنوبي تجول في المخيم وتقتل وتفعل ما تشاء، كانت هذه القوات بقيادة النقيب كميل صحّاح، وخلال حوالي اكثر من 12 ساعة نفذت هذه المجموعات مجازر متعددة، وقتل منهم ثلاثة بالخطأ على يد الاسرائيلي نفسه.

ومن ظُهر الخميس حتى ظهر الجمعة 17 ايلول كانت الطامة الكبرى، حيث سمحت القوات الاسرائيلية لقوات ايلي حبيقة المسماة الأباش او الهنود الحمر بارتكاب المجازر، وكانت هذه الجولة هي الاشد فتكاً واجراماً.

نعم استنكر العالم الغربي وخرجت اكبر    مظاهرات في تاريخ الكيان الصهيوني، 400 الف متظاهر صهيوني ضد شارون وبيغن وايتان، ولكنها كانت مظاهرات حزبية، بمعنى ان هذا الحشد اجتمع ضمن التنافس الحزبي بين الليكود والعمال، بين شارون وبيغن وايتان من جهة وشمعون بيريز واسحق رابين وفريقهما من جهة اخرى.

كما ان لجنة تحقيق كاهان التي ظهرت للعالم وكأنها رمز للنظام الديمقراطي وللعدالة والقانون، هي ليست كذلك على الاطلاق، ذلك ان الحكومة الاسرائيلية لم توافق على لجنة التحقيق هذه الا بعد ان حصرت صلاحيتها بالتحقيق بمجازر يوم الخميس 16 ايلول فقط، لانهم يعلمون ان الاسرائيلي وعميله المباشر سعد حداد متورطون في مجزرة فجر ومساء الاربعاء 15 ايلول … الخ.

كما ان اللجنة، مثلاً، رفضت شهادة الطبيبة اليهودية الاميركية (هيلين سيغل) عندما قالت ان يهودا اسرائيليين من اصل الماني شاركوا في مجازر اليوم الاول، باعتبار انها تعمل في مستشفى غزة، وهي متعاطفة مع الفلسطينيين، وقبلت شهادتها عندما قالت ان الكتائب شاركوا في مجازر الخميس … الخ، هكذا بكل انحياز.

المجازر من تخطيط شارون وفريق عمله، وتظاهر “الجمهور” الصهيوني ضده، واضطر للاستقالة، ولكن هذا “الجمهور” انتخبه مرة اخرى عام 2001 واصبح رئيساً للوزراء، لو كان الصهاينة فعلا معترضين على المجازر، وهم يدعمون حقوق الانسان وسيادة القانون، لاخرجوه من الحياة السياسية الى الابد، ولكن الامر ليس كذلك.

في لبنان : لن تكون القوات اللبنانية جزءاً من مستقبل لبنان، الا عندما تدين العلاقة “السابقة” مع الصهاينة، وتعترف بأن الصهيوني عدو للمسيحي وللماروني خاصة قبل المسلم، والا فنحن لا نزال حيث نحن.

بعد اربعين عاماً، اثبتت المقاومة انها هي التي فهمت الصهيونية وواجهتها بكل ما أوتيت من قوة، فيما الآخرون بحثوا عن مبررات للصهيوني، ولمن تعامل معه.

واليوم المقاومة اقوى وأمضى سلاحاً، في كل يوم عملية في الضفة الغربية، بأشكال متعددة ومتنوعة، فضلاً عن الاستعداد العالي للمقاومة في غزة، فضلاً عن المقاومة في لبنان وسوريا وغيرهما.

واليوم في الذكرى الاربعين لهذه المجزرة البشعة، ولدلالتها العميقة تعيد حركة حماس العلاقة مع سوريا وتصحح الخطأ التاريخي الذي حصل منذ أحد عشر عاماً.

نعم أضعنا وقتاً ثميناً وساهمنا في تدمير وطننا، وضللنا الطريق، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، بشيء من الايمان والعزم والصدق يتم تعويض ما فاتنا، باذن الله والحمدلله رب العالمين.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 16-9-2022: https://youtu.be/ggDk_rdBaUA