بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:
بتاريخ 25 ذو القعدة 1443هـ الموافق له 24 حزيران 2022م
عالم بلا مبادئ
ترفع جهات كثيرة في العالم شعارات كبرى، تعبر فيها عن المبادئ التي تسعى لتطبيقها، ومن النادر ان نجد اداء سياسيا يتناسب مع هذه الشعارات ويعبر عنها، وغالبا ما يفضح الاداء السياسي هذه الشعارات البراقة ويكشف زيف رافعيها، اميركا التي ترفع شعارات كبرى على رأسها حقوق الانسان ودعم الديمقراطية وحرية التعبير، نراها تدعم دولا ديكتاتورية تقتل الناس وتحاسبهم بغير حق، لقد أطنب الرئيس الاميركي (جو بادين) جمهوره خلال حملته الانتخابية بأنه سيحاسب محمد بن سلمان على جريمته البشعة (قتل وتقطيع واذابة جثة جمال الخاشقجي)، وكرر موقفه مرات ومرات، وها هو الآن يبرر زيارته بانه سيشارك في قمة اقليمية ولن يزوره بشكل خاص، واكتفى بالايحاء لبلدية نيويورك بتسمية الشارع الذي توجد فيه السفارة السعودية باسم جمال الخاشقجي، هكذا اصبح النفط هو المبدأ، والمال هو القضية، ودفنت الشعارات الطنانة الرنانة.
كما أن اميركا تجيش العالم ضد روسيا بسبب الحرب على اوكرانيا، فماذا عن الحرب على اليمن، وماذا عن فلسطين وحقوق اهلها … الخ؟.
وفي نفس السياق يهدد اردوغان ويتوعد بانه سيحاسب بن سلمان، ولكنه اليوم يحتاج الى المال ، فها هو يستقبله بالترحاب ويتنازل عن هذا الشعار الضخم، وكذلك يتصالح عرب من هنا وعرب من هناك واجانب من هنا وغربيون من هناك وفق اللهاث خلف الطاقة والمال والحاجات الطارئة وتدفن المبادئ… وماذا يفعل اردوغان في سوريا وما هو الهدف من كل هذا التجييش وطبول الحرب.
كذلك ترفع السعودية لواء حماية الحرمين وسدانة الكعبة فيما ان الآيات الكريمة تؤكد على اولوية الجهاد وافضليته، والايات واضحة وضوح الشمس، قال تعالى: (أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [التوبة : 19].
نعم يهمنا ان توسع ساحات الكعبة وترفع مبانيها وتحسن المرافق، هذا امر مشكور لا ينكره الا معاند، ولكن الجهاد في سبيل الله هو الاعلى، فيما أن القرآن يدعو للجهاد وتسعى السعودية للتطبيع بطريقة سرية احيانا واحيانا علنية، يصرح بن سلمان بوضوح فيقول (اسرائيل ليست عدوة) ويصف حركتي حماس والجهاد فضلا عن حزب الله بالارهاب، ويزج المجاهدين والعلماء الاحرار في السجون… هذا مرفوض، وان سدانة الكعبة لا تعفي السعودية من دعم فلسطين والمقاومة والصمود، او على الاقل المطلوب ان تكف اذاها على المجاهدين وعن فلسطين وان ترفع الحصار عن اهل غزة ، هذا الحصار الظالم الذي تشارك فيه السعودية بشكل رئيسي.
أما في لندن فالفضيحة اكبر، تدعم الجهات الرسمية في بريطانيا فيلم الفتنة والنفاق المسمى (اميرة الجنة) ، وهذا الفيلم الذي شوه صورة السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء الجنة، وتبرز أكاذيب وأساطير توقظ الفتن في عالم المسلمين… هذه ليست حرية رأي… لو كان كذلك لسمحت بريطانيا مثلا لأية جهة أن تنتج فيلما عن المقاومة وعن معاناة الفلسطينيين وحصار غزة مثلا، وعن القضايا الكبرى، ولكن كل ذلك ممنوع وموصوف بأنه معاداة للسامية.
وكذلك أوروبا تجاوزت كل ذلك لتسن قانونا يجرم كل من يشكك بأرقام محرقة هتلر التي استهدفت اليهود، مع ان الموضوع هو موضوع تاريخي وعلمي محض يتعلق بوقائع وليس برأي.
وفي لبنان رُفعت الشعارات البراقة وترفع دائما قبل الانتخابات، ثم نرى بعض اصحاب الشعارات يطرحون أسماء لرئاسة الحكومة، على سبيل المثال، تنم عن رغبة بإثارة الفتن أو على طريقة خالف تعرف. اصطفافات كثيرة لا علاقة لها بالمصلحة العامة، إنما بإثبات الرأي حتى لو كان على حساب المصلحة العامة… فيما أن المعلوم لدى الجميع ان عمر هذه الحكومة هو أقل من أربعة أشهر، ولم يكن يحتاج إلى كل هذا الضجيج ووهذه الخصومة.
والمهزلة الكبرى هو تسمية (السياديون) هؤلاء الذين يزعمون انهم مع سيادة لبنان، فيما هم يعملون بشكل مباشر مع السفارة الاميركية وينفذون تعليماتها بدقة، ولا يرون في اسرائيل عدوا، فيما يرون المقاومة (شرا) او آفة ينبغي أن تستأصل، على قول بعضهم، وليس بعيدا عن ذلك بعض دعاة التغيير ومواجهة الفساد: ان المطلع على احوال بعضهم يصبح على يقين ان الاصلاح لن يأتي من خلالهم فهم أفسد ممن يريدون اصلاحه على قاعدة (فاقد الشيء لا يعطيه).
تموت المبادئ أمام الأنانيات، وتختفي الشعارات البراقة أمام المصالح الشخصية والفئوية… ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابط فيديو: خطبة الجمعة: 24-6-2022: https://youtu.be/s9tDl7IFVb0