الكذبة الكبرى: طاعة ولي الامر

بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 25 جمادى الآخرة 1443هـ الموافق له 28 كانون الثاني 2022م

الكذبة الكبرى: طاعة ولي الامر

سؤال كبير:

لا ادري من اين تسرب الى ثقافتنا العامة، والشعبية منها خاصة ان فقه اهل السنة يأمر او يوجه الناس الى طاعة ولي الامر، كائنا من كان، حتى لو كان ظالما او سارقا او زانيا، او حتى عميلا… الخ؟ ونحن نؤكد انها كذبة كبيرة تشبه الكثير من الاكاذيب التي تصبح بفعل المزورين والوعاظ من اهل الدنيا وكأنها جزء من ديننا وفقهنا فعلا، ونستطيع ان نورد باختصار ما يؤكد ان هذه الفكرة هي تزوير للدين وللتاريخ وللواقع:

اولا: في القرآن: القرآن الكريم مليء بالآيات التي تصف حال بعض اهل جهنم انهم دخلوا اليها بسبب طاعة سادات القوم وكبرائهم والمستكبرين منهم، ومنها قوله تعالى في سورة الاحزاب (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67))، وفي سورة البقرة (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166))، وكذلك ما ورد في سورة الاعراف (38)، وفي سورة سبأ (31)، وفي سورة ابراهيم (21) وسورة غافر (47) وغيرها كثير.

والكذبة الكبرى تكمن في تفسير الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)) (النساء)، فانهم حتى يزوروا التفسير يقطعون الآية عن اولها وآخرها ، ففي اولها دعوة الحكام الى اداء الامانة واقامة العدل كشرط للطاعة: وفي آخرها دعوة الحكام الرعية الى الاحتكام الى الشريعة لا الى السجون والمعتقلات في حال الاختلاف ، انظروا الى هذا الفارق الكبير عندما يقتطعون الآية من سياقها، ثم قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)) (النساء)، واولي الامر منكم ، جاء دون تكرار كلمة واطيعوا، يعني طاعة اولي الامر تابعة لطاعة الله والرسول وليس غير ذلك، وهذا ما يؤكده فعل عمر بن الخطاب ازاء الذي اعترض على طول ردائه مقابل ارديتهم القصيرة بفعل قلة القماش الذي وزع على المسلمين، وهذا ما فعله عندما قال ابو بكر الصديق رضي الله عنه: لمن قال له سنقومك بحد السيف: (لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها).

في الحديث النبوي يكرر هؤلاء المزورون الحديث: (تسمع وتطيع للامير وان ضرب ظهرك واخذ مالك فاسمع واطع) (مسلم 1847).

فيما ان كثيرا من الاحاديث تؤكد غير ذلك (كلَّا واللَّهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهَوُنَّ عنِ المنكَرِ ولتأخُذُنَّ علَى يدَيِ الظَّالمِ ولتَأطرُنَّهُ علَى الحقِّ أطرًا ولتقصرُنَّهُ علَى الحقِّ قصرًا) (ابو داوود 4336)، والحديث المشهور (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وكثير من الاحداث التي تؤكد ذلك…

اما طاعة الامير حتى لو كان ظالما ، كما ورد في حديث حذيفة، قد يكون في حالات معنية عندما يكون هدف الحاكم ، مثلا، غير مفهوم، ولكنه يهدف الى اصلاح الامة، كما كان البعض يأخذ على عمر بن الخطاب شدته وقساوته، فان كان الحاكم مثل عمر واكل مالي وجلد ظهري اجتهادا خاطئا منه سنطيعه، اما ان طلب مني التطبيع والدين الابراهيمي فليس له طاعة بالتأكيد، ومع ذلك لو كان هؤلاء يطلبون منا الطاعة من اجل نشر المذهب الوهابي ، او الحنبلي السلفي، مثلا، ورغم اننا نخالف هذا المذهب كثيرا، ولكننا نعلن اننا سنستطيع، ولكنهم يفعلون ذلك ليدخلوا الامة في “الدين” الاميركي والصهيوني، ويأخذوا الامة الى التطبيع والاستسلام وادانة المقاومة، فكيف يكون لهم طاعة؟؟؟.

ثانيا: علماء الدين: علماء القرن الاول سعيد بن جبير، سعيد بن المسيب والحسن البصري وغيرهم، كيف كانوا مع الحكام؟ وهل خضعوا ام انهم اعترضوا وعارضوا حتى الشهادة.

علماء القرن الثاني ، كبار الائمة، ابو حنيفة، رفض القضاء من قبل ابو جعفر المنصور وحبس في بيته حتى مات، والشافعي أوشك هارون الرشيد أن يعدمه… وابن حنبل، الذي يدعي هؤلاء أنهم أتباعه… لماذا رفض أن يطيع المأمون في قضية خلق القرآن؟ وأوشك أن يموت على ذلك ، والإمام مالك تعرض للضرب حتى شلت يداه على يد والي المدينة جعفر بن سليمان عندما اعتبر ان بيعة المكره للحاكم لا تصح كما لا يصح طلاق المكره… الخ.

ابن تيمية الذين يزعمون أنه أتباعه، سُجن ثلاث مرات ولم يطع أولياء الأمور، فيما يراه من امور.

ثالثا: ان التاريخ الإسلامي مليء بكل الأمثال التي لا تحصى، وقد انتُقد عالمان كبيران شذا عن القاعدة من قبل علماء الأمة لأنهم خالطوا السلاطين وآكلوهم وكانوا من حاشيتهم…

انتقد عالم الحديث (الزهري) لأنه أكثر من مخالطة بني أمية… وانُتقد صاحب أبي حنيفة أبو يوسف لانه كان من حاشية المهدي وابنه هارون الرشيد، هذا والحكم الأموي والعباسي، حكمان اسلاميان مرجعيتهم الشريعة الإسلامية ولو نظريا، فكيف إن كان مرجعية ولي الأمر أمريكا والصهيونية؟…

لقد برزت في هذه الأزمة المؤلمة، التي تحدثنا عنها في الأسبوع الماضي… إيجابيتان، الأولى أن سعد الحريري رفض شيئا يشبه الحرب الأهلية، وأوضح ولو بالإشارة إلى ما كان يطلب منه، وهذه إيجابية كبرى، خاصة أنه استطاع أن يفصل ذلك لاحقا ولو بطريقة غير مباشرة,

والإيجابية الثانية أن جمهور تيار المستقبل أعلن رفضه القاطع للبديل المفترض (جعجع) الذي يريد ابن سلمان تنصيبه على المسلمين في لبنان… واكد من نطق باسم هذا الجمهور بأن جعجع طعن الحريري في ظهره وغدر به.

اننا نتوجه الى علماء الدين خاصة والى عامة المؤمنين ، ان ينتبهوا لهذا التزوير الخطير الذي ارتكز عليه الملوك والحكام حتى يدخلونا في السياسة الاميركية والصهيونية، ولن تفلح هذه الخطة الجديدة، ستفشل كما فشلت الحروب السابقة من عدوان 2006 الى الحرب المنهبة الى الحصار…

المقاومة منتصرة باذن الله، والمؤامرة ستهزم قريبا باذن الله…

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 28-1-2022: https://youtu.be/6Quivhl8t3M