الميلاد والعيش المشترك

بسم الله الرحمن الرحيم


موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 20 جمادى الاولى 1443هـ الموافق له 24 كانون الاول 2021م

الميلاد والعيش المشترك

ان التراث الاسلامي يزخر بكل ما يعظم من شأن السيدة مريم بنت عمران عليها السلام وسيدنا عيسى عليه السلام، سواء في القرآن الكريم او في الحديث النبوي، او الفقه والاجتهادات المتعددة طوال التاريخ… وان هذا التراث يدعونا الى الفخر بهذا التراث الزاخر ويدفعنا دفعاً الى احترام الآخر وحسن العلاقة معه، ان الذي يؤذي هذا العيش هو ابتعاد الكثير من المسلمين كما المسيحيين عن حقيقة الاسلام وحقيقة المسيحية في عمقهما العقدي والاخلاقي.

اننا هنا في هذه العجالة نذكر على سبيل المثال، لا الحصر، معجزات لسيدنا عيسى عليه السلام لم تُذكر في الاناجيل، واولها كلام سيدنا عيسى في المهد، وهي معجزة عظيمة ليست مذكورة في الاناجيل الاربعة المتداولة، وقبل ذلك ما يشير اليه القرآن دون توضيح، وهو ان حمل السيدة مريم كان سريعاً ولم يكن لتسعة اشهر (والله اعلم)، ولعل اهم ما يتميز به القرآن في تبيان شأن سيدنا عيسى عليه السلام، هو قصة المائدة التي تصورها الرواية المسيحية المعاصرة بأنها اجتماع اخير لسيدنا عيسى عليه السلام مع الحواريين قبيل الرفع، حسب عقيدتنا، او قبل الصلب حسب ما يقولون، وانه اطعمهم خبزا وخمرا، الخبز كناية عن لحمه، والخمر كناية عن دمه، وانه من يأكل من هذه “المناولة” لن ينكره، فيما ان القرآن الكريم يخبرنا أنها مائدة عليها طعام، وهو من الاسماك على الارجح، نزلت بها الملائكة من السماء معجزة عظيمة مميزة، سميت سورة طويلة من القرآن على اسمها، وواضح الفارق بين الروايتيْن.

ان هذا التراث يدفعنا الى ان نكون اقوياء واثقون من قرآننا العظيم في العقيدة ويدفعنا الى التعامل مع الآخرين من موقع القوة والرسوخ والوضوح، وكذلك من موقع الاحترام وحسن العلاقة.

وتبقى الآية الكريمة { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ… (46)} (سورة العنْكبوت)، هي الحاكمة للعلاقة الاسلامية – المسيحية:

لن يكون حوارنا ولن تكون علاقتنا الا بالتي هي احسن الا في وجه الظالمين والمعتدين، واننا في هذا الصدد نخشى ان يكون ما طُرح ويُطرح في الايام، من طروحات غير منصفة، ومنها الطعون في المجلس الدستوري وما تلاها من تعليقات سيئة، تذكرنا بالشعارات التي عبرت عن الازمة اللبنانية قبل الطائف، عقدة الخوف لدى المسيحيين وعقدة الغبن عند المسلمين، نحن نؤكد في هذا الصدد ان المسلمين مسؤولون عن ازالة عقدة الخوف عند المسيحيين، الى حد كبير، وذلك بحسن الممارسة والالتزام بعقيدة الاسلام واخلاقه وسلوكه، كما ان القوى التي تقول انها تمثل المسيحيين او جزءاً كبيراً منهم مطالبة بألا تسلك طريق الغبن والظلم والحرمان ، باعتبار انها تساعد على تطمين المسيحيين .

اننا نؤكد بشكل قاطع ان حرمان المسلمين من بعض حقوقهم ليس الطريق الامثل، وليس الطريق المناسب على الاطلاق لازالة عقدة الخوف عند المسيحيين، بل على  العكس انها تدعو الى ردة فعل سيئة وغير محسوبة.

كما اننا يجب ان نؤكد ان فكرة الخوف عند المسيحيين بعضها مصطنع او مضخم ، كما ان الجزء الحقيقي منها هي من صنع الاميركي، كما العدوان على العراق، مثلا، وتدمير سوريا، كما ان بعضها من الاسرائيلي بشكل مباشر، مثل ما نتج عن الاجتياح، وكما ظهر خلال التحرير.

واننا في هذا الصدد نؤكد ان موقف الفاتيكان لجهة العلاقة الاسلامية – المسيحية في العالم كما في لبنان، افضل من المواقف المحلية، ونذكر هنا ان الفاتيكان هو الذي وضع حداً لدور رمزيْن من رموز (التقارب مع الصهيونية) البطريرك عريضة، والمطران مبارك، كما أننا نشيد بالكلمة التاريخية التي اطلقها البابا يوحنا بولس الثاني: أن لبنان رسالة وليس مجرد وطن.

اننا جميعا مدعوون الى مراجعة الحقائق وعدم الاعتماد على الاوهام، سواء لجهة الظلم والغبن وسواء لجهة عقدة الخوف المضخمة.

 

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 24-12-2021: https://youtu.be/x0qxY301bhY