بسم الله الرحمن الرحيم
صيدا: 29 جمادى الآخرة 1442هـ
الموافق 11 شباط 2021م
مؤتمر صحافي في الذكرى الثانية والأربعين لانتصار الثورة الاسلامية بعنوان:
مستقبل المقاومة
نجتمع اليوم في الذكرى الثانية والأربعين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، هذه الذكرى التي تعنينا مباشرة كلبنانيين وكعرب ومسلمين، بل تعني الإنسانية كلها، لما تمثّله هذه الثورة من قِيم عالمية، وخاصةً، قيم العدالة والحرية والاستقلال والدفاع عن المظلومين.
وعلى أهمية هذه الذكرى ، ولكننا لا ننسى أن شهر شباط مليء بالمناسبات الهامة التي ينبغي أن نقف عندها ولو مرورا سريعا:
1- في السادس من شباط 1984 سقط اتفاق 17 أيار عمليا، بانضمام اللواء السادس من الجيش اللبناني الى القوى الوطنية الرافضة للاتفاق المشؤوم .
2- في السادس من شباط 2006 تم توقيع وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، كأهم وثيقة على طريق توحيد الرؤية الوطنية للبنانيين جميعاً.
3-التاسع من شباط: عيد ما مارون، نريده عنوانا للعيش الواحد، والتكافل على طريق بناء وطن قوي متكامل القوى، التاسع من شباط 1986 استشهاد حبيب الفقراء خليل عكاوي (ابو عرابي)، ولا تزال طرابلس تفتقده.
4-الحادي عشر من شباط 1979، انتصار الثورة الاسلامية في ايران.
5-الثاني عشر من شباط، استشهاد بطل المقاومة عماد مغنية، أعلى الله درجته، الثاني عشر من شباط 1949 استشهاد الامام حسن البنا في القاهرة.
6- الرابع عشر من شباط: استشهاد الرئيس الحريري ، رحمه الله ،الذي ارادت المؤامرة من خلاله الفتنة وتدمير لبنان ، ولم تتحقق أهدافها الكبرى .
7-السادس عشر من شباط 1985 تحرير صيدا وأكثر الجنوب بعد احتلال دام سنتين وثمانية اشهر .
8-السادس عشر من شباط: استشهاد بطلي المقاومة: شيخ الشهداء راغب حرب 1984 وسيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي 1992.
9- 25 شباط 1994 مجزرة الحرم الإبراهيمي، في صلاة الفجر.
10- 26 شباط 1975 اصابة الشهيد معروف سعد في ساحة النجمة في صيدا كأحد ارهاصات الحرب اللبنانية.
العالم بعد انتصار الثورة:
إنَّنا نستطيع أن نؤكد أن العالم قبل انتصار الثورة الإسلامية يختلف عما بعده، خاصةً وأنّ هذه الثورة أحيت مفاهيم إسلامية وعالمية، كانت قد أصبحت جزءا من التاريخ في نظر الكثيرين، فقد استطاعت إيران بمجرد الانتصار أن تثبت أمورا رئيسية، كانت موضع حوار وجدل:
أولاً- أنَّ الإسلام دين ودولة: وهي قضية احتدم الجدل حولها طويلاً، واختلطت فيها النظريات بالوقائع ومقارنة الحاضر بالماضي؛ فجاء الانتصار ليحسم هذه النقطة إيجابياً.
ثانياً- لقد كانت مقولة: “الدين أفيون الشعوب” متداولة ومشهورة، ولكن الثورة الإسلامية أثبتت أن الدين الإسلامي هو وقود ثورات الشعوب ومحركها نحو التحرير ومواجهة الاستعباد، إذا ما فُهمت أبعاده السياسية والحضارية بشكل سليم.
ثالثاً- من خلال شعار “لا شرقية ولا غربية” أثبتت الثورة الإسلامية استقلالها عن كلا المحورين الرأسمالي والشيوعي، وتجاوزت ذلك إلى تأسيس اتجاه ومحور جديد يتميز برؤيته الفكرية والسياسية والإنسانية الخاصة.
رابعاً- وضعت الثورة الإسلامية في إيران “مواجهة الاستكبار العالمي” في أعلى سلم الأولويات، مما جعلها رائدة في دعم قضايا المستضعفين، وخاصة في ظل سيطرة القطب الواحد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
خامساً- أعادت الثورة الإسلامية “قضية فلسطين” إلى مكانتها الطبيعية قضيةً أولى لأبناء العالم الإسلامي وأحرار العالم، وبذلت من أجلها ولا تزال تبذل كل غالٍ ونفيس، من خيرة القيادات والمجاهدين، ومن مقدراتها المادية، ولم تتنازل رغم الترهيب والترغيب عن الهدف الأسمى “تحرير كامل التراب الفلسطيني”، وعودة المهجرين إلى أرضهم واستعادة حقوقهم.
واليوم في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران نقف لتأكيد مبادئ وقراءة مسيرة، فيما يشبه جردة حساب ومراجعة عامة للإيجابيات والسلبيات، عسى ان نساهم في تصحيح الاتجاه العام في أمتنا ووطننا لبنان وحيثما وصلت تأثيرات هذه الثورة:
أولاً- موقعنا من الثورة:
إننا لم نتكلم يوماً ولا نتكلم اليوم من باب التبعية والاستلحاق، ولسنا كالذين كانوا يفتحون المظلة في بلادهم إذا ما أمطرت في موسكو (كما كان يقال حينها)، بل إننا ننطلق من نظرة موضوعية حرّة، ونتفق مع إخواننا أو نختلف على قاعدةٍ من الثقة والتكامل والتعاون والنصيحة، خدمةً لأهداف الأمة الكبرى، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، كما أننا نؤكد أن الثورة وقادتها ليسوا معصومين عن الخطأ، وواجبنا تقديم النصح لهم حيث ينبغي.
ثانياً- المذهبية البغيضة:
إننا في الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة ننطلق من رؤية إسلامية وحدوية منفتحة، ونرفض تقديم الانتماء المذهبي على الانتماء للإسلام ومبادئه الكبرى ورسالته العادلة، وهي الرسالة والمبادئ التي تجمعنا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن هنا ندعو الى الانضواء تحت هذه الراية لأنها من الجانب السياسي والجهادي تمثل الإسلام ككل وتتجاوز انتمائها الى مذهب محدد، وندعو جميع التيارات والجماعات خاصة الإسلامية منها إلى التوحّد معنا في حمل هذه الرسالة، على قاعدة التوافق على أولوية المقاومة ومواجهة الاستكبار العالمي، وتأجيل الحوار الفقهي الذي يحتمل التأجيل.
ثالثًا: محاربة التشيع:
ولما سبق فإننا نؤكد أن الحرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية من منطلق مذهبي مرفوضة من حيث المبدأ، وستسقط من حيث النتيجة، وهي الحرب التي يؤسفنا تورّط أنظمة عربية وإسلامية فيها، بل وجهات تعمل في حقل الدعوة الاسلامية، بذريعة محاربة “التشيع” والدفاع عن عقيدة الأمة، بينما لا نرى لهذه الأنظمة ولهذه الجهات أي جهد حقيقي في مواجهة الانحرافات الخطيرة، التي كفّرت المسلمين وأوغلت في دمائهم وأعراضهم، ورسمت للإسلام الشريف صورة مشوهة تقوم على القتل والدمار. بالإضافة إلى انخراط الكثير من هذه الأنظمة في عمليات تطبيع مذلة، وتحالفات مكشوفة مع العدو الصهيوني، على حساب مصالح الأمة وقضاياها الأساسية. كما أننا نجزم بأن أكثر من 90% من الذين يسيرون مع هذه الأنظمة وهذه الجهات في حربهم المذهبية على إيران، لا ينطلقون من منطلق إسلامي، بل من منطلق التبعية والعصبية البغيضة، ويفضحهم في ذلك عجزهم عن اتخاذ أي موقف أمام الإنحرافات والواضحة لتلك الأنظمة، وأمام انجرافها نحو التطبيع والعمالة.
رابعاً- على صعيد المنطقة:
كان للثورة الإسلامية الفضل الأعظم في قيام محور المقاومة، الذي تمثّل الخيار الحقيقي للشعوب العربية والإسلامية، فكان هذا المحور بديلاً ربانياً في مواجهة خط الاستسلام والتبعية والتطبيع، كما أشار قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَاْ يَكُوْنُوْا أَمْثَالَكَمْ) [محمد: 38]، ونحن على يقينٍ أنَّ هذا الاستبدال مقدمةٌ لتحقيق قوله تعالى: (وَلْيَدْخُلُوْا المسْجِدَ كَمَا دَخَلُوْهُ أوَّلَ مَرَّة) [الإسراء: 7]، الذي يبشّر بنهاية الكيان الصهيوني المحتومة، والتي تؤكدها معطيات الواقع والسنن الإلهية، ومن هنا حتى يأتي ذلك اليوم، فإنه يهولنا أن يتفرج العالم كله ومن ضمنه العالم الإسلامي على التدمير الممنهج لليمن الشقيق وافناء شعبه بحجج واهية باطلة، ويقوم العالم كله مستنكرا إذا أطلقت اليمن صاروخا على هدف واحد دفاعا عن النفس، ونفس الكلام نقوله فيما يعني سوريا، حيث شاركت دول عربية عدة في تدمير ممنهج بحجة الدفاع عن الشعب المظلوم، ولم يكن هدفهم إلا ضرب المقاومة وهذا المحور، والتمهيد للتطبيع مع العدو الصهيوني والخضوع للسياسات الاميركية… الخ.
خامساً- الحرب الكونية على إيران:
من هنا يمكن تفسير الحرب الشعواء التي تشنها الصهيونية والولايات المتحدة والدول التابعة لها في المنطقة، بهدف إلغاء خيار المقاومة، وتحطيم القوى التي تمثّل هذا الخيار، وفي مقدمتها الجمهورية الإسلامية والمقاومة الإسلامية في لبنان، وهي الحرب التي باءت بالفشل رغم كل ما بُذل من أجلها، ورغم استخدام كل الأساليب غير الأخلاقية فيها، وفي مقدمتها الفتنة الطائفية والمذهبية. ولقد ظهر الصلف الأمريكي بأبشع صوره من خلال ممارسة كافة الضغوط على إيران لمنعها من إنتاج النووي السلمي حتى لا تسلك طريق التطور العلمي، رغم كل الضمانات التي قدمتها إيران بأنها لن تستعمل التخصيب النووي في المجال العسكري.
وفي نفس السياق ليس هنالك جريمة أوضح من اغتيال قاسم سليماني والشهيد ابو مهدي المهندس بقرار أمريكي علني يتجاوز كل القوانين والأعراف الدولية وقواعد الاشتباك بين الدول، ولم يكن هنالك من سبب إلا أن الشهيدين بذلا جهدا مميزا في مواجهة الصهيونية ومفاعيلها المحلية والاقليمية.
سادساً- على الصعيد اللبناني:
إن محاولة إشغال قوى المقاومة بالقضايا الداخلية لن تؤتي الثمار التي يرجوها العدو، ولن تنكفئ هذه المقاومة إلى حالة الدفاع عن النفس أمام الاتهامات المكشوفة الباطلة، كما في موضوع تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية، أو في مسألة الاغتيالات المشبوهة التي تجري في لبنان بين فترة وأخرى، خدمةً للعدو الذي يريد تشويش المشهد في وجه المقاومة، او في اتهام المقاومة بأنها تحمي الفساد والمفسدين …الخ.
وعوضا عن أن تسير الأمور في لبنان على طريق توحيد القوى والتقارب السياسي بعد إنجاز تاريخي حضاري تمثل في التحرير عام 2000 ثم بالانتصار المدوي عام 2006، نسمع اليوم مفردات تذكرنا بمرحلة ما قبل الحرب الأهلية، وتهدد السلم الأهلي من حيث ندري أو لا ندري… ولعل اهم ما نعانيه اليوم هو الاختلال الكارثي في مفهوم السيادة اللبنانية، حيث ثمة من لا يرى في التدخل الاميركي السافر والانتهاكات الاسرائيلية اليومية والخضوع للمخططات الغربية انتهاكا للسيادة، فيما يرون دعم ايران للمقاومة انتهاكا للسيادة والحرية والاستقلال …الخ.
إننا ندعو إلى تعزيز السلم الأهلي بالتأكيد على الإيجابيات التي يقدمها أي فريق والتي لا تحتاج إلى جهد كبير لاكتشافها: وعلى رأسها المقاومة، وضرورة البعد عن المفردات السخيفة التي تخالف أبسط المسلمات مثل (الاحتلال الإيراني).
سابعا: دعوة العلماء والنخب والمثقفين:
إننا ندعو علماء العالم الإسلامي والمفكرين والقادة، إلى إعادة النظر في رؤيتهم للقضايا التي طرحناها في هذا البيان، والحذر من الاعتماد على المنطلق المذهبي أو القومي الضيّق في بناء مواقفهم، وأن يحاولوا – رغم الضجيج والضباب ودمار الحروب المتراكمة – اكتشاف سبيل الخير لهذه الأمة، وما يخرجها من تخلفها وفرقتها إلى وحدتها وتقدّمها.
ثامنا- دروس من التاريخ لمستقبلنا القريب:
ينبغي أن نتعلم من دروس التاريخ ما ينفعنا، ومنها فتح القدس بعد معركة اليرموك المظفرة، حينما طلب بطريرك القدس صفرونيوس، أن يأتي قائد المسلمين الأعلى ليستلم مفاتيح القدس، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستلم المفاتيح، بعد استشارةٍ شملت الصحابة الكرام جميعاً، ليتفرد سيدنا علي رضوان الله عليه ويؤكد على ضرورة أن يذهب عمر بنفسه لاستلام هذه المفاتيح، وهكذا كان. وكان البطريرك صفرونيوس قد اشترط على سيدنا عمر ألا يدخل إلى القدس اليهود (يعني الصهاينة بمفهومنا المعاصر) حتى يسلم المفاتيح، ولقد سجل ذلك في الوثيقة العمرية.
ورغم أن منهجنا يقوم على عدم اختزال المذاهب الإسلامية بالأشخاص، بل ننتقد هذا الاجتزاء، فإنّنا نقول: وكأنها إشارة من ذلك التاريخ إلى يومنا هذا أننا لن ندخل الأقصى إلا موحدين، ما بين موقف البطريرك وموقف سيدنا عمر وسيدنا على رضي الله عنهما، كما دخلها سَلَفنا الصالح موحَّدين، وهو وعدٌ قريب بإذن الله.
نرجو الله تعالى ألا تكون كلمتنا صرخة في واد، وسنبقى ندعو إلى الحق، حتى ولو اجتمع العالم كله ضدّنا، ونحن على يقين أنَّ الحق منتصرٌ على الباطل، وعلامة هذا النصر الرئيسية زوال اسرائيل، وهو الوعد الإلهي الحق الذي سيتحقق بفضل ثباتنا ووحدتنا، باذن الله.
والله تعالى وليُّ التوفيق.