لا تكونوا كقوم موسى

    بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 17 ربيع الاول 1446هـ الموافق له 20 ايلول 2024م

لا تكونوا كقوم موسى

قدم موسى عليه السلام لبني إسرائيل في مصر، بعدما ذاقوا الأمرّين من فرعون، ما لم يكونوا يحلمون به، هزم بالمعجزات، وأمام أعين الناس جميعا فرعون وآله، وأيده الله بتسع آيات بينات أقام بها الحجة على آل فرعون الذين اصروا واستكبروا، ووحد الموقف (اليهودي) من فرعون وأعماله الشنيعة، ولكن عندما هاجر بهم باتجاه الشرق، ووصل إلى شاطئ البحر الأحمر، استعجل هؤلاء، ونسوا كل ما أيد الله به موسى عليه السلام، وقالوا بتسرع وتشكيك: (… إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)) (الشعراء)… وأدانوا موسى عليه السلام، فقالوا: (أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا…) (الاعراف – 129)، كان جوابه عن الاولى (قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)) (الشعراء)، وفي الثانية: (… عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الاعراف – 129).

اليوم فئة قليلة، لا قيمة لها في الميزان السياسي ولا في مجريات الامور، ولكنهم يثبطون ويفتشون عن ثغرات ونقاط ضعف مفترضة، يحمّلون المقاومة مسؤولية الدمار في غزة ومسؤولية المجازر، ومسؤولية الاوضاع في لبنان والمجازر، ومنها مجزرتي الثلاثاء والاربعاء (اجهزة الاستدعاء – البيجر)، نقول لهؤلاء لا تكونوا كقوم موسى تثبطون وتقفون في موقع الصهيوني، مهما كانت الخسائر  ومهما بهظ الثمن، فان الطريق الشرعي الوحيد هو المقاومة، ان اي طريق آخر يزعمون فيه السلام او الاحتكام للقرارات الدولية يتضمن ذلاً وهواناً، كما يتضمن الكفر، وفق ما نراه من اجراءات التطبيع التي ترافق الديانة الابراهيمية المزعومة (حاشا سيدنا ابراهيم)، ان التخلي عن المقاومة يتضمن الكفر والتخلي عن مبادئ القرآن الكريم الواضحة.

الخير ان نلجأ الى الآيات الكريمة التي انزلها الله اثر هزيمة أُحد، والتي اعتبرها المفسرون انتصاراً معنوياً وايمانياً وتثبيتاً للقلوب والأقدام، وتأكيداً على الثبات على الطريق:

(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)) (آل عمران).

لقد هُزم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في أُحد، وتراجع في صلح الحديبية وهُزم المسلمون في اول غزوة حنين، ثم تحول كل ذلك الى نصر مؤزر، هذا الذي نؤكد عليه بعد مجزرتي اجهزة الاتصال، فلينظر الجميع الى الكم من الصواريخ التي اصابت اهدافها العسكرية بدقة، يوم الخميس امس، وانظروا الى العمليات الدقيقة التي تقوم بها المقاومة في رفح بعد ان اعلن الصهيوني انه قضى على المقاومة في رفح… الخ، المشكلة اننا نصور ضحايانا والدمار ونبرز الآلام التي تصيبنا، وهذا من حقنا وواجبنا، ولكن الاهداف التي تصيبها المقاومة بدقة، مواقع عسكرية لا يمكن تصويرها ونقل أخبارها، فتضيع الحقائق لفترة من الوقت حتى تظهر لاحقاً بعد ذلك بشكل أو بآخر.

ان تاريخ الصهاينة يؤكد على انه يستهدف المدنيين في كل المراحل، ولا يهمه ان يستهدف “حلفاءه”، لقد استهدف فندق الملك داوود ومن فيه من الضباط البريطانيين، وكان مركز قيادتهم عام 1947، وقتل وزير المستعمرات البريطانية، صديق تشرشل، في القاهرة عام 1944 واسمه السير (موين او ادوارد غيتس،) وقتل (داغ همرشولد) الامين العام للامم المتحدة بتفجير طائرته في افريقيا عام 1961، والكونت برنادوت عام 1947، المبعوث الدولي ومساعده الفرنسي (اندريه سيروت)، وماذا عن القنابل العنقودية التي تقتل الاطفال ومدرسة بحر البقر في مصر عام 1970، واسقاط الطائرة الليبية عام 1973، حيث قتل مائة من المدنيين… الخ.

وماذا عن القتل اليومي في غزة والضفة ولبنان، لائحة لا يمكن ضبطها، واسرائيل هي الجهة الوحيدة في العالم التي لا تحاسب على جرائمها.

والاهم ان قائد المجموعة الارهابية الارغون، كان مناحيم بيغن، الذي اصبح رئيس وزراء من 1977 حتى 1983، والعالم كله يعلم ذلك، وقائد المجموعة الارهابية (شتيرن) كان اسحق شامير، الذي اصبح ايضاً رئيساً للوزراء، والعالم كله يعرف ذلك.

والانكى من كل ذلك ان مناحيم بيغن الارهابي المخضرم، هو الذي وقّع “السلام” المزعوم مع مصر عام 1978، (كامب ديفيد) في مهزلة من اكبر المهازل السياسية في التاريخ البشري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حسناً فعل سماحة السيد اذ خصص جزءاً رئيسياً من خطابه لشكر الجهات الرسمية والشعبية والاطباء، ولينوه بالتضامن الشعبي مع الشهداء والجرحى، فالاجواء اثر المجزرتين كانت اجواء تضامن وتكافل اجتماعي ووطني، واجواء وحدة اسلامية ووطنية في وجه الصهاينة ومشاريعهم، ادام الله هذه النعمة.

ان العدو الصهيوني يحاول ان يخترق هذا المشهد، لقد شغل من جديد عملاءه ليحاولوا من جديد اثارة الفتنة المذهبية والخلافات الداخلية، هذا واضح جداً في رسائل التواصل الاجتماعي، كما في بعض الفتن “الصغيرة” مثل القاء قنبلة على مسجد الناعمة ومحاولة احراقه، ومشاكل متنوعة هنا وهنالك وتعليقات مذهبية بغيضة، كل ذلك سيبوء بالفشل ان شاء الله.

وملخص كل ذلك اننا، والله اعلم، قبل زوال اسرائيل، وتحقق وعد الله القاطع،  سنعاني آلاماً كثيرة وسنصاب بأكثر بكثير مما اصبنا به في غزة وفي لبنان، هذه ضريبة لا بد ان تدفع، ولا بد ان تحصل قبل ان تستيقظ الامة ويحقق الله وعده المؤزر لنا.

نحن لا نعلم الغيب، ولكننا نستقريء الامور وفق ما فهمناه من الآيات الكريمة ومن دراسة التاريخ، والله اعلم.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 20-9-2024: https://youtu.be/vqmbZk-tpCc