‌بُعِثْتُ ‌وَالسَّاعَةُ ‌كَهَاتَيْنِ

    بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 3 ربيع الاول 1446هـ الموافق له 6 ايلول 2024م

‌بُعِثْتُ ‌وَالسَّاعَةُ ‌كَهَاتَيْنِ

‏‏في ذكرى مولد النبوي صلى الله عليه وسلم، نستذكر أمراً في غاية الاهمية، وهو ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيب، عما سيحصل الى يوم القيامة، ولقد ذكرنا سابقاً أن هذا الموضوع شائك ويخطيء الكثيرون فيه، من بعض العلماء المشهود لهم بالعلم وسعة الاطلاع.

نقول ان أهم فقرة ان تفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‌بُعِثْتُ ‌وَالسَّاعَةُ ‌كَهَاتَيْنِ حيث قرّب بين اصبعيه السبابة والوسطى، للدلالة على اقتراب الساعة ، فها قد مرت 1445 سنة ، ‏ولم تحصل كل علامات يوم القيامة، ولو أن العلامات الكبرى بدأت اليوم لاحتاجت إلى عقود طويلة حتى تنقضي، إذن المقصود باقتراب الساعة وفق الأحاديث المشهورة هو الإقتراب وفق المفهوم الرباني للزمن، وهو مفهوم يختلف عن مفهومنا، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، على سبيل المثال، ثلاث مرات:

‏الأولى في سورة الحج: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47))، والمقصود هنا أنكم تشعرون أن عقاب الله الذي يفترض أن ينزل على المجرمين، قد تأخر ولا يأتي وفق حساباتكم، إلا أن الله تعالى يقول لنا: ان الزمن في حساب رب العالمين يختلف عن حساباتكم.

وفي  سورة السجدة: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5))، والمقصود أن أعمالنا ترفع إلى الله تكتبها الملائكة وترفعها إلى الله بعد صلاتيْ الفجر والعصر إلى مكان لا يعرفه إلا الله، فوق السماوات السبع على الأرجح، والمقصود أن الإنسان سيحتاج إلى الف سنة ليقطع هذه المسافة فيما تقطعها الملائكة بجزء من الثانية، او حتى أقل، والله أعلم.

والثالثة في سورة المعارج: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4))، وهو مقدار يوم الحشر، أي من البعث حتى بداية الحساب، والله أعلم، وبالتالي أن أيام الله غير أيامنا وحساباتنا خاضعة لقدرتنا على الاستيعاب، ‏وبالتالي إذا تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اقتراب الساعة، فإنه يتحدث عن حسابات غير حساباتنا وتقويم غير تقويمنا، وبالتالي فإن بعض علامات يوم القيامة حصلت مباشرة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضها لم  يحصل حتى الآن، وعلى سبيل المثال، لقد ظن بعض الصحابة الكرام أن الساعة قد اتت أثر الردة التي حصلت في الجزيرة العربية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، إلا أن الردة تم القضاء عليها في ستة أشهر، وانطلقت الفتوحات بعدها لتفتح كنوز كسرى وقيصر وتنفق في سبيل الله.

‏إن الأحداث التي حصلت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الردة إلى الفتوحات ثم الفتن وحروب سيدنا علي مع الناكثين والقاسطين والمارقين، كل ذلك ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك يعتبر من علامات يوم القيامة ولكن أيضا، على سبيل المثال، فإن فتح القسطنطينية تأخر قرونا حتى العام من 857 هجرية الموافق 1453 ميلادية، ولقد حاول المسلمون مرات كثيرة أن يفتحوا القسطنطينية ليحظوْ بمديح رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الجيش ذلك الجيش ونعم الأمير ذلك الأمير، ولكن ذلك لم يحصل، حتى إذن الله بذلك.

‏نقول ذلك لننبه الجميع، ان علامات يوم القيامة المذكورة في الأحاديث الشريفة لا تعني دائما اقتراب القيامة، بل لقد قسمناها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: علامات صغيرة حصل الكثير منها ولا تعني اقتراب الساعة بل تذكير الناس بها ، والله أعلم .

علامات كبيرة: مثل فتح القسطنطينية وزوال إسرائيل، منها ما حصل ومنها لم يحصل بعد.

والعلامات العشر الكبرى التي تبتديء بالدجال وهي، والله أعلم، إن بدأت، اليوم مثلاً، تحتاج إلى سنين طويلة لتكتمل.

‏نقول كل ذلك مرة أخرى لنحذر مرة اخرى من عدم الاستعجال في الأمر وعدم ربط الأحداث، ولو كانت جسيمة بيوم القيامة وكأنها بعد أيام، والله اعلم.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 6-9-2024: https://youtu.be/XB9qvKjNuvk