الحج في التاريخ

    بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي:خطبة الجمعة

بتاريخ 8 ذو الحجة 1445هـ الموافق له 14 حزيران 2024م

الحج في التاريخ

‏اسس سيدنا آدم عليه السلام الكعبة المشرفة، فكان أول بيت وضع للناس في الارض لعبادة الله، ثم جدد بناء الكعبة سيدنا ابراهيم عليه السلام (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)) (البقرة)، وامتثل ابراهيم عليه السلام لأمر ربه ونادى بصوته ليدعو الناس للحج، ووعد الله ابراهيم عليه السلام بأن يتجاوز صوته الجغرافيا فيقطع الفيافي والقفارويتجاوز الوديان والجبال ليصل الى كل مكان، وان يتجاوز التاريخ فيصل صوته من جيل الى جيل حتى وصل الينا ولا يزال.

لم يتوقف الحج في التاريخ، انما ادخل اليه المشركون بعض الشعائر الوثنية فدخلت الاصنام الى الكعبة مائة عام قبل الاسلام ادخلها رجل اسمه (عمرو بن لحي الخزاعي)، كما بدلوا ذكر الله بالتصفيق والصفير (مكاء وتصدية)، وكانوا يحجون عراة … الخ.

ولكن الحج لم يتوقف، ولقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء العام السابع للهجرة والاصنام حول الكعبة، لعله غطاها او ابعد ما يستطيع ابعاده، ولكن وجود الاصنام في الكعبة لم يمنعه من العمرة، وكذلك اليوم نقول للذين يزعمون ان الظلم الذي يمارس على الحجاج ومنعهم من رفع شعارات الدعم لفلسطين او الانحراف السياسي الواضح، او حتى لو حصل التطبيع المجرم، ان كل هذا لن يمنعنا من الحج والعمرة، كما لم تمنع الاصنام رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمرة، وعندما تمكن في العام الثامن، اي بعد عام واحد دمر الاصنام وطمس الصور واعلنها مدوية (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)) (الاسراء).

نعم نحن نستنكر وندين افراغ الحج من محتواه الحضاري، فان من اهم الحِكَم المرتبطة بالحج ان تؤكد شعائر الحج و وحدة الامة الاسلامية من عربها والعجم والفقراء والاغنياء واهل مكة والقادمين اليها من بعيد …الخ، فكيف نكون امة واحدة والحجاج يمنعون من دعم اخوانهم واهلهم في فلسطين ولو بكلمة وبرفع علم او شعار، ولا يستطيع السعوديون ان يتفاخروا على امة الاسلام بما يقدمون لموسم الحج، حتى لو قاموا بأجلّ الخدمات واعظم البنيان لتعظيم وتبجيل مشاعر الحج وتسهيل اداء المناسك، كائناً ما كانت “انجازاتهم” في هذا الصدد، فان الجهاد والصمود في وجه الصهيوني والاميركي ومن معهما، اعظم درجة عند الله بنص القرآن الكريم:

لقد تفاخر العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يقوم بسقاية الحجاج، وطلحة ابن شيبة كان يحمل مفتاح الكعبة بأمر من الله، بنص من القرآن الكريم، فقال سيدنا علي بل افضل منكما من حارب وقاتل ليدخلكما في الاسلام، ونقل هذا الحوار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الجواب ربانياً (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)) (التوبة) ، فالجواب واضح لا يحتاج الى تفسير.

ان الاسلام شريعة واحدة ونظام متكامل، فعندما نفصل الموقف السياسي المرتكز على المبادئ الاسلامية الكبرى، عن العبادة، فاننا بذلك نشوه الاسلام ونتشبه باليهود حيث وصفهم تعالى (… أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)) (البقرة)، ان الموقف السعودي من فلسطين والمقاومة يدمي القلب ويؤلم الوجدان، وخاصة عندما يطرح الرئيس بايدن بكل وقاحة، التطبيع مع السعودية، وكأنه جزء طبيعي من خطة وقف اطلاق النار، ولكننا نؤكد مرة اخرى ان هذا لن يكون سبباً في امتناع المؤمنين عن الحج، طالما استطاعوا الى ذلك سبيلاً، وان الله حَرَم هؤلاء وامثالهم من الشرف العظيم الذي يحوزه اهل فلسطين بجهادهم وصمودهم، بل ان الارتباط بالسياسة الاميركية الى الحد الذي نراه يلامس الشرك، بحيث ان الذي يعبد الله ويوحده، لا يخاف الا الله، وان الذي يعتبر كرسيّه ومصالحه اهم من مبادئ الاسلام، فانه يلامس الشرك بموقفه هذا.

ولا حول ولا قوة الا بالله…

كما ندعو لتحويل صلاة العيد وما بعدها الى مناسبة لدعم صمود اهلنا في فلسطين وفي غزة بشكل خاص، لعلنا نشاركهم الشرف الذي يحملونه والثواب الذي ينالونه.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 14-6-2024: https://youtu.be/AlnsxRn6uQM