بسم الله الرحمن الرحيم
رثاء الأستاذ نزيه الخطيب
رحمه الله رحمة واسعة، لقد كنت اظن انه انتقل الى رحمة الله منذ وقت طويل، فلم ألتقه ولم اسمع عنه شيئاً منذ عقود من الزمن، ولمّا قرأت نعيه اليوم تأسفت كثيرا لوفاته، وقفزت الى ذهني ذكريات العام الدراسي 1979 – 1970 في ثانوية عين الحلوة الرسمية ثانوية مصطفى الزعتري لاحقا ، وقد استحق واستحقت هذا الاسم بجدارة، كما ثانوية حكمت الخطيب (يمنى العيد)، وكما متوسطة انجيليك صليبا.
لقد درّسنا في ذلك العام مادة الادب العربي ،إضافة الى كونه مدير دار المعلمين والمعلمات، بجدارة أيضا، وذلك قبل ان تُغلق بسبب الحرب ،ثم يزال المبنى الجميل من اصله لتوسيع مدخل صيدا الشمالي، ورغم انه درّسنا لعام واحد فقط ولكنه ترك فينا اثراً مميزاً، لقد كان قريباً الى القلب يخاطب طلابه وكأنهم أصدقاؤه ويستمع الى رأيهم ، وكان شقيقه الاستاذ نبيه رحمه الله قد علّمنا أيضا في الصفوف التكيملية (كما كانت تسمى) ولا يخفى انه كان ذا ميول إسلامية، ولا أزال احفظ له تفسير آيات معينة من كتاب الله تعالى، كان يعتبر أنها سبقت الزمن وهي معجزات حقيقية، ولقد أصاب في ذلك.
اما الأستاذ نزيه فكان وطنياً بامتياز ،بمواقفه ورؤيته وأسلوب حياته، يكفي أنه زوج الاديبة الوطنية حكمت الصباغ (يمنى العيد) التي لا يزال اثر رصاص الانتداب الفرنسي في قدمها الى يومنا هذا .
ولكنني تعجبت من امر كنت احبّ ان اراه لأراجعه به قبل رحيله، فقد كان يمتدح يوماً لغة القرآن الكريم ويقول أن الله، كما قال، تجاوز قواعد اللغة العربية لصالح جمال الجَرْس والايقاع، فقال ان الله قال في سورة الرحمن (مرج البحرين يلتقيان)… والاصل ان يقول مرج البحران يلتقيان، لكن (البحرين) اخف على السمع فاختار تعالى سهولة الانسياب على قواعد اللغة، ولم اناقشْه في ذلك واعتبرتُ ان الموضوع هو كما قال، ولم أشك في ذلك وقتها، حتى اطلعنا عن كثب على النص القرآني ورأينا التفاسير فلم نجد شيئاً من هذا:الفاعل هو الله تعالى والبحرين مفعول به ومن الطبيعي ان يقول تعالى مرج البحرين وليس البحران، عجبت لهذا الامر وكيف غفل استاذنا الكبير عن هذا الأمر؟ وكيف انه لم يلتفت للفاعل … الخ؟.
أقول هذا ليس لأذكر مثلبة، بل لأقول انه حفر في ذاكرتنا أمورا كثيرة، ولو كان هذا عيبا او مثلبة لكان ضمن القاعدة: كفى بالمرء نُبلاً ان تعّد معايبه.. ولكنه ليس عيبا هو اجتهاد، ولا شك انه من الأساتذة الذين يستحقون كل التقدير والذين ينبغي ان نمتثل ازاءهم لأمر الأديب الكبير احمد شوقي :قم للمعلم وفّه التبجيلا…
ولقد قمت منذ سنوات بزيارات ٍكثيرة لعدة أساتذة وبعض زملاء الصف، من باب العرفان وتجديد المودة، بعد انقطاع طويل، أملته ظروف الحرب بل الحروب المتعاقبة، واني لمؤاخذٌ نفسي كيف قصّرت عن التواصل مع استاذنا الكبير نزيه الخطيب رحمه الله.
وانه لمن المناسب ان اذكر ان صفنا الذي ذكرته كان البكالوريا القسم الادبي _ فرنسي، وكان يضم فقط 14 طالبا ، فالأكثرية كانت تفضل الفرع العلمي والقسم الإنكليزي ، وكنت لمن يحب ان يعلم، المسلم الوحيد بينهم، والطالب الوحيد الذي اتى من مدارس حكومية، كان هذا قبل الطائفية والمذهبية والفئويات البغيضة بشكلها الابشع و الفرز الطائفي الذي مزق لبنان، (ولكني تفوقت عليهم جميعا باللغة الفرنسية)… وكنا منسجمين الى ابعد حد، فلقد رتّبنا طبقات الصف يوماًما بشكل نصف دائرة ووضعنا على الطبقة التي تتوسط نصف الدائرة علماً لبنانياً عليه كلمة (الوفد اللبناني)، طبعاً من باب الفكاهة، فدخل الاستاذ نزيه رحمه الله وقال: ما هذه (اللّعيبات) ازيلوها واعيدوا ترتيب الطبقات كما ينبغي، قمنا بذلك مباشرة، وكان من المحتمل لو ان أستاذاً آخر طلب ذلك لما فعلنا ذلك بهذه السرعة، ولكنه كما ذكرت كان قريبا الى القلب محبباً الى النفس متواضعاً، لين العريكة، كما يقال، فضلاً عن حسن تدريسه وسلاسة لغته… لن اسامح نفسي عن التقصير ازاءه.
رحمه الله رحمة واسعة…
وأتمنى لعائلته الكريمة جميعا الصبر واليقين بما عند الله….