التغيير!

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 7 رجب 1445هـ الموافق له 19 كانون الثاني 2024م

التغيير!

‏ان الإنسان مأمور من الله تعالى أن لا يخضع للصفات الوراثية، وللصفات التي يكتسبها من المجتمع، كل إنسان منا يكتسب صفات وراثية، كما يكتسب من المجتمع صفات، سواءً من الناحية الفردية أو المجتمعية، وبعض المجتمعات تتحلى بصفات معينة تكون شاملة لأفراد المجتمع تقريباً، وعلى الإنسان أن لا يخضع لهذه الصفات: على سبيل المثال، كان العرب غلاظاً شداداً في الجاهلية حتى على أطفالهم ، من يئد البنات مثلاً، ثم عندما تغلغل الإيمان في عقولهم ونفوسهم أصبح الواحد منهم رحيماً بنفسه ورحيما بالمجتمع وبالاطفال فضلا عن الضعفاء، لا يصح للإنسان أن يقول مثلاً أنا من هذا المجتمع، استمر على ما فُطرتُ او جُبلتُ عليه، ومن هنا جاء القرآن الكريم ليذم من قال (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)) (الزخرف)، كذلك ذم الذين يريدون الحفاظ على مكتسباتهم من المجتمع حتى لو كان المجتمع سيئا، (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23)) (الزخرف)، (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (34)) (سبأ).

‏ومن الصفات التي تتوارثها المجتمعات صفات الجبروت، كما سمّى الله تعالى اهل فلسطين على لسان قوم  موسى (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)) (المائدة)، ولقد قلنا مرارا وتكرارا ان صفة الجبروت ثابتة في هذا الشعب منذ قديم الزمان، وقد تستعمل هذه القوة في الظلم، وقد تُستعمل في الطريق السليم، اهل فلسطين اليوم يوظفون الجبروت الذي جُبلوا عليه في سبيل الله، في سبيل الدفاع عن الارض، وفي مواجهة الاستكبار العالمي، كما في مواجهة الخيانة والتخلف والتواطؤ العربي، ونؤكد ان هذه الصفة التي اضيف اليها الايمان مكنتهم من الصبر والمصابرة كما لم يحصل في اي مجتمع آخر.

كما ان الله تعالى وصف أهل البادية مثلاً بالغلظة والشدة الممجوجة وسماهم الاعراب، قال تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)) (التوبة) ثم استثنى منهم المؤمنين وقال (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)) (التوبة).

‏ولا يبقى الاعراب اعراباً غلاظاً شداداً ، بغير الحق، كما كانوا في الجاهلية، عندما ينخرطون في الإيمان وفي التعاليم الإسلامية كما ينبغي، وهذا مطلوب منا جميعا أن ننخرط في الإيمان وألا نستسلم للظروف التي يضعنا فيها المجتمع ويلزمنا أحيانا بأن نكون جزءا من مجتمع فاسد أو مستسلم.

التساؤل اليوم حول الشعب المصري  الذي وصفه في يوم من الايام (عمرو بن العاص) المعروف بدهائه وحنكته، عندما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: صف لي مصر واهلها، قال: (نيلها عجب، وارضها ذهب، ونساؤها لعب، ورجالها لمن غلب، تجمعهم الطبل وتفرقهم العصا)، هذه صفات ذميمة او بعضها ذميم، وطبعا هي لا تشمل المؤمنين والمجاهدين من الذين واجهوا نابليون مثلاً يوما ما، او المقاومين امثال خالد الاسلامبولي وعبود الزمر وسليمان خاطر و محمد صلاح، ولا تشمل بالتأكيد علماء الدين الافذاذ مثل عبد الحميد كشك ومحمد متولي الشعراوي ‏وجمهور عريض، نؤمن بايمانهم ونتعلم منهم الإيمان والثقافة الدينية، ولكن للأسف الشديد يبدو أن هذه الصفات هي التي ذكرت في آخر هذا الكلام تنطبق على الاكثرية منهم، حيث يقول عمرو:  (تجمعهم الطبل وتفرقهم العصا) يجتمعون على الغناء والرقص، ولكن عندما يرفع الحاكم عصاه في وجههم ينقادون له، حتى لو كان ظالما، بل ويتسابقون في كيل المديح له ورفعه الى اعلى من مستوى البشر (…)، انطلاقا من هذا الكلام نتساءل كيف يسكت مئة مليون مصري او اكثر عن اغلاق معبر رفح، وعن تواطؤ المسؤولين المصريين مع المؤامرة الاسرائيلية، مع المعاملة الفظة لاهل غزة اصلا حتى في غير الحرب ، نعود فنقول هنالك استثناءات ترفع الرؤوس وتبيض الوجوه، ولكن الواقع الاليم يذكرنا بوصف عمرو بن العاص لاهل مصر.

‏يعز علينا ويؤلمنا ‏هذا الموقف المصري الذي لو انه تغير نحو الأفضل لكان الوضع مختلفا وهنا نستتذكر بيت الشعر لطرفة بن العبد:

وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً

عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

‏ولا شك أن هذا الظلم قاس جدا ويصبح أقسى عندما يضطر المقاومون إلى السكوت عن هذا الدور السيئ الخبيث، بل لمراعاة للمصلحة نجدهم مضطرين لمدح الموقف المصري وشكره، وهذه قمة الألم، للأسف الشديد هذا أمر مؤلم ولا تستطيع الفئة المؤمنة في مصر أن تخترق هذا السقف الثخين الذي ضُبط تحته الشعب المصري فشُلّت حركته وشُلّت قدراته، وأصبح للأسف الشديد يساير الحاكم حتى لو كان ظالما.

‏نصرخ هذه الصرخة ولو كانت أشبه بصرخة في واد ولكن لا بد لنا أن نقول كلمة الحق خاصة عندما يعجز عنها الآخرون، لأسباب موضوعية، واخرى غير موضوعية أيضا .

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 19-1-2024: https://youtu.be/XUOGO6_G5Zg