بسم الله الرحمن الرحيم
في رثاء هيثم عبد الكريم السعدي: أبا طارق: وداع مؤقت!
بقلم الشيخ ماهر حمود
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]
(صدق الله العظيم)
ثم نقول كما قلت في آخر لقاء حيث ذكرت بيت شعر لأبي فراس:
خيلي وإن قلت كثيرٌ نفعها
بين الصوارم والقنا الرعاف
ولنا أن نغير بعض الألفاظ فنقول:
خيلي وإن قلت كثيرٌ نفعها
بين القذائف والرصاص الشافي
وعلى كل حال، يعنينا الشطر الأول بشكل رئيسي، نعم، كثير نفعك أيها الراحل العزيز، أنت وإخوانك الأعزاء، نقلتم مخيمنا العزيز المظلوم من حال إلى حال… ثُقبت آذاننا ونحن نسمع أنكم متهمون بكذا وكذا، وبأنكم رأس الإرهاب، حتى جاءتنا البشارة المميزة، نقلها اللواء عباس ابراهيم، العقيد في مخابرات الجيش اللبناني وقتها: لقد تم إبلاغ القوى الدولية، التي كان يعنيها كثيرا أمن الطريق إلى الجنوب، وسائر المعنيين أنكم صمّام أمان المخيم وجواره وليس العكس… كثير نفعك مع إخوانك، لمن يقدّر ولمن يرى ويسمع، بعيدا عن الأوهام والافتراءات والأحقاد التي تقلب الحقائق، وتزور الوقائع وتصفع الحقيقة في وجهها.
أنت واحد من الشهود على الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وعلى المخيمات في لبنان، وعلى مخيم عين الحلوة، عاصمة الشتات، بالذات… كثيرون يدعون الانتماء إلى فلسطين وقضيتها المقدسة، ثم يثبت العكس، ولطالما عبرت عن ذلك مكررا:
وكلٌ يدعي وصلا بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاكا
حتى إذا اختلطت دموع في جفون
تبين من بكى ممن تباكا
في بعد من الأبعاد، وفي مكان ما، ومع كل الاحترام لكافة القوى، وللقوى الإسلامية بالذات، ولفريق العمل الذي تنتمي إليه، مع احترامنا لكل هؤلاء، أجزم أنه لا بديل عنك في المفاوضات، وفي الشرح الوافي عن المخيم وعن الدور الذي يجب أن يضطلع به الإسلاميون، وعن التأكيد الدائم أن القبلة هي القدس، وفلسطين، وأن كل جهد يجب أن يصب في هذا الاتجاه فقط وفقط.
لا بديل لأنك تمزج الموعظة والشرح العميق بالمزاح الهادف، والشعر المعبر، والأحجيات اللطيفة… بحيث تستطيع إدخال الفكرة القاسية بسلاسة ولطف بالغيْن…
رحلت باكرا… ولكنها إرادة الله، لكل أجل كتاب، نخشع أمام قدر الله، ونُخبت لإرادته الحكيمة ونسلم تسليما، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نحزن، ونتألم لفقدك ولغيابك عن الساحة العطشى لكلماتك وسعيك الدؤوب نحو الخير العميم، ورأب الصدع، وإصلاح ما فسد.
لا يضيرك أن كثيرين لا يقدرون ما فعلت مع إخوانك، ولا يضيرك وإياهم ذلك الحصار الظالم الذي طال أمده، حيث يستطيع ” المحاصرون” أن يصوروا أنفسهم حماة للقانون وللنظام العام، فيما هم ينتهكون كل الحرمات ويزورون كل الحقائق.
وأنت في كل ما تفعل، لست فقط بديلا عن (الغائب الحاضر) ولكنك أضفت إلى دورك التمثيلي، قيمة ذاتية، مقدرة تقديرا عاليا، لمن يستطيع القراءة ويدرك الأبعاد…
لكن هذا لا يمنعنا من أن نذكر بخير كل من يقدر دوركم ويشرف على تحركاتكم، ويسبغ عليها صفة شبه قانونية، الإخوة في الجيش اللبناني وفي سفارة فلسطين العزيزة، وسائر القوى في المخيم العزيز.
إلى اللقاء، فكل آت قريب، ونملك من حسن الظن بالله، ولا نزكي أنفسنا ولا نزكي على الله أحدا، نملك من حسن الظن بالله أن نقول سنلتقي قريبا، إن شاء الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وليس ذلك على الله بعزيز، وللكلام صلة…