بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:
بتاريخ 14 ذو القعدة 1444هـ الموافق له 2 حزيران 2023م
ذكريات حزيران الاليمة
بعد ان تحدثنا خلال الاسبوعين الماضيين عن ذكرى النكبة وعيد التحرير، لا بد لنا ان نتحدث عن ذكريات حزيران الاليمة، الخامس من حزيران 1967 ذكرى النكبة ثالنية التي سمْوها نكسة، محاولة للتخفيف من فداحتها، وهي في الواقع، لا تقل عن النكبة الاولى، في معانيها ومدلولاتها وذكرى السادس من حزيران 1982، ذكرى الاجتياح الاسرائيلي للبنان ، التي كانت نهاية حقبة المقاومة الفلسطينية في لبنان.
وعندما نستذكر هذه الهزائم القاسية ، يُذكر قوله تعالى : (… وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) (النساء – 141)، ويتساءل البعض كيف ذلك، والكافرون يحتلون ويقتلون وينهبون ويعتدون، بل ويزورون دين المسلمين؟ والجواب بكل بساطة، على تقدير محذوف، وكأن الله يقول : (ولن يجعل الله للمؤمنين (حقاً)…)، كما يقول تعالى مثلا ، ان تنصروا ينصركم… كيف يكون نصر الله؟ بالاعداد، ووحدة الصف، وعدم التنازع، والحذر، والاخذ بكل اسباب النصر، فان لم يكن الامر كذلك، فلن ينصر الله عباده، حتى لو انتموا الى الاسلام والايمان اسماً وشكلاً، دون ان يقوموا بواجباتهم … الخ.
هكذا… اذن لم يكن المؤمنون مؤمنين حقاً حتى ينصرهم الله ويخزي الفاسقين والكافرين والمعتدين … الخ، وهكذا … وهنا لا بد ان نقف قليلاً لنسأل ذلك السؤال: هل محت “انتصارات” العبور عام 1973 عار النكبة الثانية؟ ابداً، لقد كانت حرب 1973 حرب تحريك ولم تكن حرب تحرير، كانت نتيجة لاتفاق دولي، (هذا الاتفاق ملخصه): انه لا يمكن اقامة سلام بين العرب واسرائيل دون تحقيق نوع من التوازن، فلا بد من نصر محدود للعرب على الاسرائيليين ثم تبدأ مفاوضات السلام من بعدها، وهكذا كان، وهنا لا بد ان نذكر ان التحضير لاقتحام خط بارليف (خط الدفاع الاسرائيلي شرق قناة السويس كان تحضيراً جاداً ومتقناً)، كما كان اختيار يوم الغفران، يوم العطلة اليهودي، وساعة الهجوم الثانية ظهراً وكثير من الاتفاقات بين سوريا ومصر وقتها، كانت مدروسة بعناية، ولكن بالتأكيد ضمن المسموح به دولياً، ولم يكن باستطاعة الجيش المصري مثلا ان يتوغل في سيناء اكثر من 20 كيلو متر، لان الدفاعات المصرية لا تستطيع الوصول الى اكثر من ذلك ، وبالتالي لو ان الجيش المصري توغل ابعد من ذلك لتم تدمير وحدات الجيش المصري تلك كلها، ولكن الاميركي خان الاتفاق، وابلغ الاسرائيليين ان الحامية المصرية في مكان اسمه (الحديقة الصينية) حامية ضعيفة، وكان ذلك من خلال القمر الاصطناعي، وكان الضابط وقتها هنالك، “النقيب” ارييل شارون، وكان (الدفرسوار) وحصل الخلاف بين السادات والشاذلي، الشاذلي يفكر تفكيراً عسكرياً محضاً، والسادات يتخذ القرار ضمن ما هو متفق عليه دولياً، فلم يرض السادات برد الجيش المصري من سيناء ليقضي على الاختراق الاسرائيلي الذي وصل الى الكيلو متر (101) على طريق القاهرة، وفضّل ان يجري محادثات وقف اطلاق النار، حيث وصل الجيش الاسرائيلي، قرب القاهرة (!!!).
لم تمح انتصارات 1973 الوهمية عار الهزيمة المنكرة عام 1967… ولكن هذه القضية اكبر من ان يتركها رب العزة للبشر فقال : (… وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) (محمد – 38).
وهكذا، قامت المقاومة الاسلامية في لبنان، وحققت ما لم تحقققه الجيوش العربية مجتمعة، ثم قام الشعب الفلسطيني بمقاومته المميزة من غزة الى جنين ونابلس وسائر الضفة، ليثبت للعالم ان هذه القضية لا تموت، وانها تتجدد من خلال الصادقين المخلصين حتى لو قل عددهم مقابل الخونة والضعفاء والمستسلمين.
(… كم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة – 249)
نحن على الطريق والقافلة تسير بالاتجاه الصحيح بحول الله تعالى، ولن يضيرها التطبيع والضعف والخيانة بحول الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقظة الانعزال:
هذه الكلمة تم استنباطها اوئل الحرب الاهلية، من خلالها تم توجيه الاتهام الى الفئات التي تدعي تمثيل المسيحيين في لبنان، انهم يريدون الانعزال عن المحيط العربي، الذي كان الى حد ما، يدعم المقاومة الفلسطينية، ولكن البعض كان يعتبر هذا التوصيف نوعاً من الشتيمة … الخ، والواقع انهم يفضلون الاسرائيلي على العربي والفلسطيني، بل يستعينون به على شركائهم في الوطن.
اليوم نستطيع ان نقول ان البحث عن مرشح توافقي، بين المسيحيين لمواجهة المرشح الطبيعي، انما يتم من خلال هذا التوصيف، فلم نر اية صفة تميز المرشح المفترض، لا من حيث مواجهة الفساد، ولا من حيث القدرة على التمثيل، ولا من منظور آخر، انما يتم البحث والاتفاق المفترض من خلال النكاية والكيد والحقد فقط وفقط.
نقول بكل وضوح ان الوطن لا يبنى بالاحقاد، وان البحث عن مرشح للرئاسة بهذه المواصفات يدل فعلاً على الصفة الانعزالية التي انطلقت اوائل الحرب الاهلية عام 1975 قد استيقظت من جديد.
نؤكد من جديد ان الوطن لا يبنى بالاحقاد والمكائد والبحث عن مرجعية خارجية، انما يبنى بالتفاهم والحوار وقبول الآخر والقضاء على الانعزال بكافة صوره، كما لا يبنى بالاكاذيب والافتراءات التي تملأ وسائل الاعلام ويتم التأكيد عليها كأنها حقائق رافضة.
رابط فيديو: خطبة الجمعة: 2-6-2023: https://youtu.be/Cs0HyHsSyKQ