بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:
بتاريخ 29 جمادى الاولى 1444هـ الموافق له 23 كانون الاول 2022م
الميلاد المجيد
ليت الجميع يستفيد من المعاني التي يتم نشرها والترويج لها في عيد الميلاد المجيد، وعلى رأسها المحبة والتسامح والغيْرية، مما يفترض ان ينعكس على الوطن ككل، ولكن الواقع شيء مختلف، نرى هذه التعاليم والمعاني العظيمة تبقى ضمن الغُرف المغلقة والمنابر والمواعظ الكنسية والمنشورات الدينية، فلا نرى الا القليل ممن يضعون هذه المعاني العظيمة موضع التنفيذ، خاصة على مستوى السياسيين، والاغنياء واصحاب النفوذ، وللاسف فاننا نرى كثيرا من اصحاب المناصب الدينية يناقضون كل ما يقولون في عظاتهم وكلماتهم المتعددة.
نعم.. نحن بحاجة الى هذه المعاني الميلادية العظيمة، ولكن يا ليتها تنتقل من الكلام الى الفعل ومن الشعارات الى العمل.
وهذا ينطبق على الجميع وليس على اخواننا في الطوائف المسيحية فقط، حيث نرى كثيرا من الشعارات الاسلامية العظيمة تنتهك باستمرار وبكل بساطة.
وفي هذه المناسبة نؤكد على النقاط التالية:
- بالتأكيد ليس التاريخ الحقيقي لولادة سيدنا المسيح عيسى ابن مريم هو 25 كانون الاول، بل كانت الولادة المباركة اقرب الى الصيف او الى الخريف موعد نضوج الرطب، وكان يوم 25 كانون الاول موعدا لاعياد وثنية ثم تغيرت الشعائر لتصبح مسيحية، ثم تم التوافق على هذا التاريخ دون اي دليل تاريخي او ديني، وهذا لا يغيّر شيئا من احترامنا للذكرى ولمعانيها.
- ان تأكيد القرآن الكريم والشريعة الاسلامية على رفض فكرة التثليث وابن الله وما الى ذلكـ امر ضروري وحتمي للحفاظ على العقيدة الصحيحة، ولكن لا يجوز الخلط بين الخلاف العقيدي وبين العيش المشترك والعدالة على الاطلاق، فمع وضوح العقيدة ينبغي ان يكون واضحا ان الظلم مرفوض بالمطلق، ولا ينبغي ان يتخذ الخلاف العقيدي ذريعة للظلم وسلب الحقوق، كما حصل في بعض مراحل الحرب الاهلية في لبنان، ولا بد هنا ان نستذكر الاية الكريمة: “… وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (8) (المائدة).
وقد عبر هذا الموقف الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة، وكان يخرص (أي يخمن) النخيل لتطبيق الاتفاق مع يهود خيبر فقال له يهودي: اعدل يا ابن رواحة، قال بكلام قاطع، والله يا معشر يهود انكم لأبغض خلق الله اليً، ولكن ذلك لا يجعلني اظلمكم بتمرة واحدة.
ونؤكد اهمية العيش المشترك والتواد بين اللبنانيين دون ان يكون الخلاف العقيدي سببا للفرقة والشحناء.
- ان الضجيج العالمي الذي يترافق مع عيد الميلاد ورأس السنة هو استغلال للمناسبة من قبل رأس المال المتوحش والشركات والكارتيلات الضخمة التي حولت المناسبة الى موسم تجاري استثماري بانتهازية واضحة، وان كثيرا من المظاهر المبالغ فيها تؤكد ما نقول، وتسرق كثيرا من معاني العيد.
- ينبغي ان تحكم علاقتنا بأهل الكتاب الآية الكريمة: ” وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)” (العنكبوت)، وليس ثمة ظلم اكبر من العمالة للصهاينة، وقد مارسته قوى سيئة كانت تزعم انها تمثل المسيحيين، ولا تزال تتفاخر بذلك، زاعمة ان ما اقترفوه هو مقاومة، كذبوا في ذلك وافتروا على الله وعلى المسيح وعلى الاديان وعلى المسيحيين في لبنان، وهذا ينبغي ان يكون واضحا، ولا تزال الاصوات التي تستنكر تلك المرحلة ومفاعليها خافتة وضعيفة وتشكل احد العوائق الرئيسية امام مفهوم العيش المشترك بصورته المثالية.
- يقص علينا القرآن الكريم معجزات قام بها السيد المسيح عليه السلام، ليست مذكورة في الاناجيل، واهتمام القرآن الكريم بسيرة سيدنا عيسى عليه السلانم وبأمه الصدّيقة مريم، يؤكد على قدسية المسيح عليه السلام واهميته في عقيدة المسليمين، مما ينبغي ان يؤخذ من الجميع بعين الاعتبار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحية اكبار واجلال لروح الفقيد الكبير عبد الرؤوف المحتسب، الذي رفض ان يبيع بيته قرب الحرم الابراهيمي في الخليل بمائة مليون دولار، ثم غادر الى ربه في عمر الـ 64 عاما، لقد ربح الآخرة وربح ربه ودينه وربحت فلسطين والقضية وخسأ الذين باعوا دينهم واعراضهم بابخس الاثمان.
وقرب الحرم المقدسي ايضا عائلات كثيرة رفضت بيع البيوت والعقارات للمحتل باثمان باهظة واختاروا ما عند الله على ما عند الناس.
بمثل هؤلاء ينتصر الاسلام وتنتصر فلسطين بأمثال والدة الشهيد ناصر ابو حميد التي حرمت من اولادها جميعا باستشهاد اثنين وسجن ثلاثة من اولادها، وتعطي بصبرها ورسوخ موقفها ابلغ الدروس للامة كلها.
رابط فيديو: خطبة الجمعة: 23-12-2022: https://youtu.be/54QRWyuTjmY