ليث ليس كباقي الليوث

بسم الله الرحمن الرحيم
ليث ليس كباقي الليوث
ليث شبيلات: نحتاج إلى أمثالك
بقلم الشيخ ماهر حمود نشرت في جريدة الاخبار بتاريخ ٢٠-١٢-٢٠٢٢:
غادرنا فجأة المجاهد المؤمن الفذ المهندس “ليث شبيلات” بعد أن كان قد أتحفنا منذ أيام بشريط تحدث فيه عن يوم مولده الذي تزامن مع ذكرى اغتيال وصفي التل (اغتيل في 28 تشرين الثاني 1971) أي بعد أيلول الأسود بعام وشهرين، وإن كان دفاعه عن وصفي التل لم يرق لنا، ولكن يشفع للراحل الكبير أنه يعرفه معرفة شخصية فيما نحن نعرفه من خلال الإعلام، ومن خلال أخصامه… والله أعلم…
ليث شبيلات نسيج يختلف عن قرنائه، لقد اثرى الدعوة الإسلامية بنموذج مميز، حيث استفاد من تجربته السابقة قبل التحول إلى الإسلام الدعوي والسياسي… واستفاد من انتمائه إلى عائلة مرموقة، حيث كان والده دبلوماسيا فذا مقربا من الملك حسين رحمه الله، فضلا عن عشيرته المهمة…
وفي هذا أذكر أن من أهم ما قصه علينا، أنه قصد الملاهي والمرابع في منطقة شارع الحمراء في بيروت ودخل إليها يعظ روادها الشباب بقوله: عندما كنت في مثل أعماركم، خلال الدراسة في الجامعة الأمريكية، كنت أرتاد هذه الأماكن حتى من الله علي بالالتزام الديني الذي يورث سعادة وصفاء ذهن وراحة نفسية أكثر بكثير، بل على النقيض مما تظنونه سرورا مزيفا في هذه الأماكن الموبوءة… لقد قلد في ذلك بعض الصحابة الكرام الذين قصدوا أماكن لهوهم وعبثهم بعد الالتزام ليمسحوا الذاكرة بالمفيد وعوضا عن العبث وهدر الأوقات، الخ…
ولا يمكن أن ننسى موقفه المميز عندما انتقد بشكل لاذع بكاء “الملك والملكة” على اسحاق رابين واستحق لذلك السجن مرة أخرى، كما سجن يوسف عليه السلام وكبار علمائنا في التاريخ…
وفي خضم المعركة المعنوية مع التطبيع، لم ينس أن يذكر الملك حسين بخير، إذ ذهب إلى السجن بنفسه وتابع أوراق الإفراج عنه بنفسه يوقعها من مدير السجن بنفسه… وأوصله إلى بيته وهو يقود السيارة، وزار أمه خلال وجوده في السجن، وكأنه بذلك ينطق بقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا…).
من دون أدنى شك يحتاج الإسلاميون إلى مثله في كل ساحة، حيث يستطيع بشخصيته المميزة وثقافته وتجربته الغنية أن يقدم شيئا جديدا، وأن يحدث صدمة إيجابية في المياه الراكدة للدعوة الإسلامية، ويزيل بعض الصدأ عن بعض العقول التي جمدت عند مرحلة ما من التاريخ القديم أو الحديث، فلقد كانت معارضته لاتفاق وادي عربة مميزة، حيث صمت “الإسلاميون” ومر الاتفاق (بهيبة الملك) كما كان يقول دائما، وسكوت الإسلاميين….
ترحل يا أبا فرحان وأنت تقول: أكاد لا أستطيع أن أقنع أحفادي بأفكاري، فالأيام تتبدل وتتغير، أقول لك، في عليائك، إن شاء الله نم مطمئنا، الجيل القادم سيكون أوعى ممن السابقين، ودليلنا الساطع ما يحصل في نابلس وجنين، وما يعنيه هذا التشكيل الجديد المسمى (عرين الأسود)، أنت ليث وهم أسود… لا يختلفون عنك إلا بالآلة، فموقفك ولسانك وتجربتك تدل على بأسك وحنكتك… وهم يحملون السلاح ويبتكرون أساليب متجددة للمقاومة…
وليس بعيدا عن ذلك يوم أرسل لسماحة السيد حسن نصر الله رسالة يعاتبه فيها على الانخراط في الحرب على الإرهاب في سوريا، وكان منطقيا جدا وفق ما توافر له من معلومات في ذلك الموقف، ثم ما لبث أن تراجع عن ذلك وقد وضحت الأمور للقاصي والداني على حد سواء…
وبكل بساطة “امتدح بشكل أو بآخر النظام الملكي الأردني”… ولما وجهت إليه سهام النقد قال: هل جمهورياتكم المزعومة إلا ممالك… هل هنالك رئيس سابق؟ لا يوجد إلا رئيس راحل… كالملوك تماما، تختلف الأسماء وتسقط. كان هذا طبعا قبل الخريف الأمريكي المسمى الربيع العربي.
لن تخلو الساحة من أمثالك بإذن الله، ليثا ضروسا حيث ينبغي، وفرس رهان عندما يقتضي الأمر، ونسرا أو صقرا يراقب بعين ثاقبة وترقب وصبر يعز على غيره.
معارض لطغيان الملوك والرؤساء والحكومات، ثم معارض للمعارضة الضعيفة والمترددة والمتناقضة مع نفسها، ثم معارض للشعب المستسلم للطغيان وسطوة الملوك والحكام، وكان مميزا في ذلك.
رحمك الله رحمة واسعة ورزقنا الله بأمثالك حتى تستقيم الأمور.