ثمانية مليارات؟

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 24 ربيع الآخر 1444هـ الموافق له 18 تشرين الثاني 2022م

ثمانية مليارات؟

اعلنت الامم المتحدة أن عدد سكان الارض بلغ ثمانية مليارات انسان، ويأتي هذا الاعلان خلال انعقاد مؤتمر المناخ في شرم الشيخ ومجموعة العشرين في اندونيسيا، والعالم كله يعيش هاجس الغذاء، والطاقة، وارتفاع درجة حرارة الارض… الخ، والانسان في كل ذلك يعيش هذه الهواجس بعيداً عن شريعة الله، بعيداً عن فهم حكمة الله في خلق الانسان “يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ” (7 – الروم).

نحن نستطيع ان نواجه هؤلاء وهؤلاء بآيتين من كتاب الله ، فموضوع الارزاق قد حسمته الآية الكريمة: “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10)”  (فصلت).

ونضرب مثلاً عملياً من تجارب البشرية، فلقد تأثر الفكر البشري بنظرية (روبرت توماس مالتوس)، الذي اطلق نظريته في اوائل القرن التاسع عشر، حيث اعتبر ان البشرية مقبلة على المجاعات بسبب نقص الغذاء المتوقع، فبحسب نظريته فان البشر يتكاثرون وفق المتواليات الهندسية اي على طريقة 2-4-8-16-32، فيما المساحات الزراعية وانتاج الغذاء يتكاثر وفق المتواليات الحسابية على طريقة 2-4-6-8-10-12، مما يعني ان الغذاء لن يكون كافياً للاحياء، وضع (مالتوس) نفسه مكان الخالق الذي خلق الناس وخلق ارزاقهم، فجاء التاريخ ليكذب نظريته، فلقد اكتشف البترول، علي سبيل المثال، في اوائل القرن العشرين واخترعت الآلة البخارية ومحركات الوقود والكهرباء ثم السيارات والطائرات … الخ، فأصبح المزارع يحرث ويزرع اضعاف ما كان يحرثه ويزرعه من قبل، واصبحت المركبات تنقل الانتاج الى المستهلكين في المناطق البعيدة، واصبحت البرادات تحفظ الانتاج الفائض والمادة المستخرجة من البترول تحفظ الانتاج، مثل البلاستيك والنايلون … الخ.

سؤال بسيط: بلغ عدد البشر اليوم ثمانية مليارات، وفي العام 1900 كان ملياراً ونصف، هل كان الانسان اول القرن العشرين يعيش بحال افضل من انساننا اليوم؟ الجواب بسيط جداً، بالتأكيد لا… مما يؤكد ان هذه النظرية سقطت بحكم الواقع.

اما ما يمكن ان يحصل من مجاعات ونقص في الغذاء في بعض الاماكن في العالم فسببه الحروب والظلم الذي يمارسه الانسان على اخيه الانسان، فمثلاً اليوم ثمة ازمة قمح سببها الحرب في اوكرانيا، والمجاعة في لبنان سنة 1914 سببها الحصار الغربي على موانيء الدولة العثمانية، حتى اصبح الامر مثلاً، عندما نقول اليوم بالمثل الشائع ا”الحق على الطليان”، سبب ذلك ان ايطاليا كانت مكلفة من قبل الحلفاء بحصار موانئ لبنان، فكان الناس يتظاهرون امام مقر الوالي العثماني يطالبون بالقمح والغذاء، فيقول لهم الحق على الطليان ، فذهبت مثلاً…  وهكذا.

كما ان احتكار عدد قليل من اثرياء العالم الجزء الاكبر من الشركات المنتجة يحرم الكثيرين من طعامهم، وكذلك سيطرة اميركا على مصادر الغذاء وتحكمها به يسبب اوضاعاً حرجة، كما في لبنان، في هذه الايام، سوريا، وغزة، واليمن وغيرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اما موضوع ارتفاع حرارة الارض، فلعل الآية من اوائل سورة الشورى تشير الى هذا الموضوع من قوله تعالى “تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)”.

وكأنها اشارة الى ذنوب اهل الارض التي تسبب انفطاراً في السماء، وكأنها اشارة الى ثقب الاوزون الذي يؤثر على ارتفاع حرارة الكوكب، وسببه التنافس على انواع الصناعات التي هي بغالبيتها العظمى للترف والتفاخر والاستهلال، وليست على طريق خدمة الانسانية وتحقيق العدالة البشرية.

جعل الله تعالى في الارض اقواتها بالتأكيد، ولكنه طلب منا السعي… “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)”.

ان كسل الانسان واستسلامه للدعة والهدوء سبب اضافي لاختلال توزيع الغذاء ووصوله الى المحتاجين .

مختصر الكلام : ان الانسان يحتاج الى حسن العلاقة بالله حتى يواجه الازمات.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 18-11-2022: https://youtu.be/2DRFtTxy-f4