بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:
بتاريخ 26 صفر 1446هـ الموافق له 30 اب 2024م
أخطاء بالجملة
في عالمنا الاسلامي علماء متبحّرون في كافة فروع العالم والاختصاصات، يسعد الانسان بالاستماع اليهم ويستفيد من تحليلاتهم وتفاسيرهم وتعليقاتهم، ولكن للاسف الشديد عندما يتعلق الامر بالخلاف السني الشيعي، او عندما يكون الموضوع علامات الساعة، فاننا نلمس نقصاً شديداً بل جهلاً مدقعاً وبعداً عن الحقائق وتغليباً للهوى والتقليد والالتزام بتوجيهات اسوأ اصناف الحكام … الخ.
ليس الانسان كله عقل ومنطق وحجة فقط، بل هو مزيج من ذلك مع الشهوات والهوى والانانية والتبعية … الخ، من اجل ذلك مثلاً ان ابراهيم عليه السلام اقام الحجة على قومه فكان جوابهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)) (الانبياء).
وكذلك كافة الانبياء من آدم عليه السلام حتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت بالدليل القطعي ان ابا جهل وابا سفيان وكافة من قاد المعارك ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي حقاً، ولكن ارتباطهم بمجتمعهم الجاهلي وكبرياءهم صدهم عن سبيل الله …. الخ.
وما ينطبق على المشركين ينطبق جزئياً على المسلمين الذين لا يخضعون الى الشرع الحنيف بكليتهم وتظل جزءا من شخصياتهم خاضعة للاهواء والشهوات او للموروث المجتمعي … الخ، يؤكد لنا ذلك قوله تعالى:
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)) (الجاثية).
وقوله : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)) (الفرقان).
نعم قد يضل الانسان وينحرف رغم علمه، وهذا ما رأيناه وللاسف، من بعض كبار علمائنا الذين برروا للداوعش وأمثالهم جرائمهم وارتكاباتهم.
لقد سمعنا مؤخراً تعليقات عن قول القائد الخامنئي حفظه المولى على قوله، (ان المجتمع منقسم بين اتباع الحسين واتباع يزيد)، كان فحوى هذه التعليقات انه يقصد باليزيديين السنة، ولم ارغب بالتعليق باعتبار ان المعلقين هم من عامة الناس وليسوا ممن لهم حظ من العلم او الثقافة، حتى تفاجأت بان بعض من هو منسوب الى العلم يدعونا الى التوقيع على بيان يدين فيه كلام الخامنئي، كيف ذلك؟ كيف يمكن لمن له حظ ولو بسيط في العلم والدين ان يعتبر يزيداً يمثل السنة؟ او ان السنة ينتسبون الى يزيد؟ الم يقرؤوا التاريخ؟ ألم يسمعوا ماذا قال الامام ابن حنبل عن يزيد؟ ما رأي علمائنا الكبار في يزيد؟ ماذا عن شعر ابن الزبعرى الذي استشهد به:
لعبت قريش بالملك فلا خبر أتى ولا وحي نزل
ألم يعلموا انه قتل من الصحابة اكثر مما قتل من آل البيت وانه احرق الكعبة؟ … الخ، ان اخواننا في ايران يعتبرون (الشيعي الكبير) شاه ايران من اتباع يزيد، بل كثير من السياسيين الشيعة، وان تصنيف الناس بين حسينيين ويزيديين ليس تابعاً للانتماء الديني والمذهبي، بل للانتماء السياسي والسلوك العملي، فأنىّ لهؤلاء الجهلة ان يفهموا، ولو فهموا فهل يعترفون؟.
نقول للمرة الالف ان الحجة العلمية لمذهب اهل السنة والجماعة اقوى وارسخ بكثير من الحجج التي يسوقها اخواننا لاثبات مذهبهم، حتى ان المقارنة لا تصح، ولكن الامر لا يقتصر على الحجج العلمية، بل على الموقف السياسي والسلوك العملي، اننا لم نجد خلال خمس واربعين عاما من انتصار الثورة الاسلامية بل منذ واحد وستين عاما، اي منذ انطلاقة ثورة الامام الخميني في وجه الشاه، لم نجد اية جهة تتمتع بالوعي السياسي والوضوح الحضاري مثل اخواننا في ايران، بل لم نر مثل صدقهم وتضحيتهم على طريق فلسطين، وان هذا الوضوح السياسي وهذا الصدق والاخلاص في الاداء ليس مرتبطاً بالانتماء المذهبي والاجتهادات الفقهية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما اننا ندين اولئك الذين يفسرون احاديث نبوية شريفة، سواء صح سندها ام لم يصح، بطريقة تتناقض مع ابسط حقائق التاريخ، كأولئك الذين يتحدثون عن حتمية حلف بين الروم والمسلمين، فيقاتلون عدوا ثالثا ثم يختلفون فتكون معركة في مرج دابق وفي غوطة دمشق ثم تفتح القسطنطينية ثم يظهر الدجال.
ان احداث التاريخ تؤكد ان راوي الحديث قد اختلطت عليه الامور، فليست ثمة علاقة بين هذه التواريخ والاحداث حسب ما رأيناه وخبرناه، وهذا ما يؤكد كلام سيدنا حذيفة بن اليمان وغيره من الصحابة الكرام عندما حدثوا عن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب منذ الفجر الى المغرب فأخبر الصحابة الكرام عن كل ما هو كائن الى يوم القيامة، فمنا من حفظه ومنا من نسيه، (فكان أعلمنا أحفظنا)، وبالتالي فلا بد من مراقبة متن الحديث ومعناه وموافقته للواقع وللتاريخ …الخ، ولكن وللاسف ان أمثال من تحدثنا عنهم ينتقون من الاحاديث ما يوافق الاهواء والانحراف السياسي الذين هم عليه.
لا يجوز ان نلزم الناس باجتهادات وتأويلات ظنية وافتراضية والامثلة على ذلك كثيرة.
رابط فيديو: خطبة الجمعة: 30-8-2024: https://youtu.be/eCduWwW2L38