ويسعون في الارض فساداً

    بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي للشيخ ماهر حمود:  خطبة الجمعة

بتاريخ 15 ذو الحجة 1445هـ الموافق له 21 حزيران 2024م

ويسعون في الارض فساداً

‏‏مرة أخرى نؤكد على أمر في غاية الأهمية: إن كافة الآيات في القرآن الكريم التي تفصّل في صفات اليهود وتدينهم وتكشف مؤامراتهم، هي نفسها الصفات التي نراها واضحة اليوم في ممارسات الصهاينة من خلال الاحتلال وممارساته اليومية، واليوم نعيد الحديث عن فقرة في آية كريمة من سورة المائدة وهي قوله تعالى (… كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰاۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ (64)﴾، ومعنى هذه الآية ان اهداف الحروب التي يشنها بنو اسرائيل ستكون نتائجها معاكسة للاهداف التي خططوا لها، وها نحن نرى أن كل حروب بني إسرائيل ارتدت عليهم ولم تحقق أهدافها، في العام 1948 انتظروا “السلام” مع الملك فاروق والملك عبدالله وغيرهما، ولم يحصل ذلك، وعام 1967 انتظروا أن يصبح مشروع “روجرز” أمرا واقعا فإذا بالعرب يخرجون في القمة الوحيدة التي تستحق الاحترام باللاءات الثلاث: لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات، وفي العام 1982 أرادوا إنهاء المقاومة في لبنان، فخرجت المقاومة أكثر قوة وعزماً واستمرارية، واليوم أرادوا إنهاء حركة حماس فاذا حركة حماس والجهاد وسائر حركات المقاومة أصبحوا أكثر عمقاً في جذور الشعب الفلسطيني وأكثر تمثيلاً.

ولقد ذكرتُ هذه الآية، على سبيل المثال، في كلمة هامة في مرج الزهور عام 1993، عندما كان اخواننا المبعدون هنالك، لقد امضوا سنة كاملة مبعدين في الثلج والحر، لقد كان هدف الصهاينة اطفاء جذوة الانتفاضة وقتها، فاذا بالمبعدين يصبحون منبراً عالمياً للقضية الفلسطينية، ويصبح صوتهم وموقفهم اقوى واعلى، كما ان هذا الابعاد اعطى فرصة تاريخية للمقاومة في لبنان، لان توثق صلتها بالمقاومة الفلسطينية وتؤكد عملياً التعاون والتكامل معها.

‏وهذا ما يحصل في لبنان، كلما أرادوا ضرب المقاومة ازدادت قوة بحول الله تعالى، هذا ما حصل في عملية تصفية الحساب عام 1993 وعناقيد الغضب 1996 وعدوان 2006، واليوم تصبح المقاومة قادرة على ‏تهديد من يدعم إسرائيل عسكرياً، ها هي قبرص تتنصل من ارتباطها بالعدو الصهيوني … الخ، وتدعي انها جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة، وانها على الحياد … الخ، لقد ادى التهديد دوره المطلوب.

‏لقد كان سماحة السيد موفقا إلى أبعد حد في هذا الخطاب الأخير، الذي أبّن به الشهيد أبا طالب، ولعله أهم خطاب منذ خطاب التحرير في بنت جبيل، لأنه وجه رسائل عملية للصهاينة ولحلفائهم بلهجة صارمة واعية مدركة لكل المخاطر، ملتزمة بكل الضوابط، طالما أن العدو مرتبط بها… الخ، وتزداد أهمية الخطاب لانه ترافق مع عودة “الهدهد” بالنبأ اليقين من شمال فلسطين المحتلة، حيث المواقع العسكرية والاستراتيجية  كثيرة الأهمية.

‏كما كانت تسمية طائرة التجسس “بالهدهد” موفقة إلى حد بعيد، فذلك هدهد سليمان الذي أتى بالنبأ اليقين من سبأ وملكتها وقال بكل ثقة ﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ (النمل – 22)، الهدهد اليوم يفضح مواقع الصهاينة ويجعلها في مرمى سلاح المقاومة مما يجعل الصهيوني يحسب الف حساب لأي حماقة يمكن أن تصدر عنه.

‏نؤكد بكل ثقة أن المقاومة في لبنان، كما في فلسطين، ستخرج أقوى بكثير، باذن الله، مما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول، الماضي، كما نؤكد أننا نعيش فترة تاريخية سندخل فيها إلى مرحلة جديدة بكل ما في الكلمة من معنى، لقد تغير الرأي العالمي أو بدأ بالتغير: انكشفت عدوانية إسرائيل: خلافات بين أمريكا وإسرائيل، إحراج كبير لأنظمة الذل والتطبيع، وضوح الدور الإيجابي لإيران، تراجع مؤامرة الخلاف المذهبي، ظهور قوة إقليمية كبرى هي اليمن، إنفضاح منطق المتخاذلين والضعفاء،…الخ.

‏ولا بد من التأكيد على نقطة في غاية الأهمية، إن صراعنا مع اليهود فيه شقان، الشق الأول، الاحتلال وتهجير الشعب الفلسطيني، ونقض المعاهدات الدولية وكافة الاتفاقات، وشق آخر، هو المسيرة التاريخية لهم، حيث اكد القرآن الكريم حتمية أن يعاقبوا في التاريخ كله ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (الاعراف – 167).

ثمة عقوبة ربانية سننفذها بايدينا قريبا بإذن الله، وحتى يتم تنفيذها وفق الوعد الرباني، لابد أن يرتفع المسلمون إلى مستوى إسلامهم ليقوموا بهذه المهمة الربانية.

‏اليوم المقاومة تمثل حالة متقدمة جدا من الوعي الديني والالتزام والاستقامة وفق مقاييس الشريعة الإسلامية، وهي تحاول أن تجر الأمة إلى مستوى هذا الوعي، وسيحصل هذا قريبا بإذن الله رغم كافة العوائق والمؤامرات والمعوقات.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 21-6-2024: https://youtu.be/WrcVq1sJFnU