بسم الله الرحمن الرحيم
المحسن الكبير: الحاح يوسف البساط (رحمه الله)
بقلم الشيخ ماهر حمود
يستحق المرحوم الحاج يوسف البساط هذه الصفة بجدارة وامتياز، لم يسبق ان مر على صيدا تحديداً مثل هذا الرجل، ولا أقصد الكم فقط بل النوع، كان حريصا على ألا يذكر اسمه في أي عمل خير يقوم به، ولم يقبل أن يُسمى شيء مما فعله باسمه، حرصا على الثواب والصلة بالله تعالى، بعيدا عن الرياء والمباهاة، كان مثلاً يمكن أن يسمى المسجد في ساحة الشهداء باسمه أو مسجد البساط بكل بساطة، لكنه رفض ذلك، وكذلك المشاريع التي مولها بسخاء دعما لجمعية المقاصد الإسلامية، التي يعتبرها ركناً ركيناً في مجتمعنا، ولا شك أن هذه الصفة رئيسية في عمل الخير، كان يمارسها رحمه الله بكل دقة، وأضاف إليها البعد عن مظاهر الدنيا وزخارفها: حدثني أحد أفراد العائلة أنه عُرض عليه في يوم ما، قصر منيف، بسعر متدن جدا، بسبب الحالة المالية لصاحب هذا القصر، فما كان جوابه إلا ان قال لسنا من أهل القصور، يكفينا ما نحن فيه، المال عنده لقضاء الحاجة وتيسير الأمور وليس للمباهاة والتعالي على الناس، هكذا في سياراته وبيوته ومكاتبه وغير ذلك.
أول لقاء كان في العام ١٩٧٦ حيث زرناه مع اخوة كرام، زيارة عيد، اكتشفت يومها موهبة مميزة من مواهبه، فهو يحفظ العائلات والأنساب وتسلسلها، وكل الروابط العائلية في المدينة، وأيضا في بيروت إلى حد ما.
اقدره تقديرا عاليا واحرص على زيارته متى استطعت، وأتمنى أن يكون أثرياء المجتمع مثله، من حيث الإنفاق والبعد عن المباهاة، وأن علاقتي به أوثق من أن يعكرها اختلاف في السياسة، فإنه لم يوافقني يوما على الموقف السياسي، إلا أنه وافقني يوما في العام ٢٠٠٢ بعد إنجاز ما في مخيم عين الحلوة، اعتبره مميزا، وزارني وقتها ليعرض ما يمكن ان يكون دعما لهذا الاتجاه.
ومن صفاته الحميدة، أنه كان يحرص على الصلاة في مساجد صيدا القديمة، ويأنس بالجلوس بها عندما يستطيع، أذكر أنه صلى الجمعة معنا في مسجد قطيش إثر استشهاد الشهيدين سليم حجازي وبلال عزام في أيلول 1982، وكان مسجد قطيش مكتظا، جلس إلى الحائط قرب الباب بكل تواضع، يتجاذب أطراف الحديث مع المصلين دون حواجز مصطنعة.
لقد تأسس صندوق الزكاة في صيدا بمبادرة كريمة منه، وميزانيته الرئيسية منه أيضا، وكذلك في بيروت لفترة من الفترات، وبالتأكيد فإن أحدا لا يعلم بالتفصيل أين أنفق وكيف، فإنه كما قلنا يحرص أن يكون عمل الخير بينه وبين الله.
كنت أتمنى أن يتمم الله له أمنية أخيرة من أمنياته، وهي بناء مسجد قرب منزله الصيفي، ولكن التعقيدات السياسية المعروفة حجبت الرخصة عنه ولا تزال.
سيبقى هذا الرجل في ذاكرة المؤمنين، وذاكرة هذه المدينة بالذات من كافة الانتماءات، وينبغي أن يكون قدوة للمقتدرين ليسير المجتمع في الاتجاه الصحيح.
وسيواصل أبناؤه الطيبون وأحفاده، إن شاء الله طريق الخير والعمل الصالح، ويزيدون، بإذن الله، نكهة مميزة في إنجازات الأجيال القادمة.
لا يحق، شرعا، أن نجزم، ولكن بحسن ظننا بالله، وما نعرفه عنه نقول: إن شاء الله هو في أعلى عليين، مغفورة ذنوبه، مرفوعة درجته، مقبولة أعماله، ويكفينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله).
أقترح على بلدية صيدا الكريمة أن تطلق اسمه على شارع رئيسي في المدينة كجزء من العرفان الذي يستحق، وكعربون محبة وتقدير… نرجو من الله القبول والسداد، والحمد لله رب العالمين.