اميركا عدو؟

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 28 محرم 1444هـ الموافق له 26 اب 2022م

اميركا عدو؟

انه لمن المؤكد ان لكل عصر فتنة تميزه عن غيره، ولذلك تغير بعض ما في رسالات الانبياء وفق العصر الذي عاشوه، فسيدنىا موسى عليه السلام، على سبيل المثال، يواجه فرعون بمعجزة تشبه السحر وتتفوق عليه لان سطوة السحرة كانت بارزة في ذلك الوقت، ويشكلون اداة الظلم لفرعون، وسيدنا عيسى عليه السلام واجه بمعجزته ما يفوق الشعوذة التي كانت تسمى “طباً” في عصره، وشعيب عليه السلام واجه قومه بتطفيف الميزان وتبخيس الاثمان، ولوطاً واجه قومه بشذوذهم المخالف للطبيعة…الخ.

فتنتنا اليوم، فتنة العالم الاسلامي، هي النفوذ الاستكباري البريطاني اولا، ثم الاميركي، نعم عوامل التخلف موجودة في امتنا، ولكن المؤامرة الاستكبارية تمنعنا من الخروج من ازماتنا وتمنعنا من سلوك اي طريق يحقق لنا ازدهارا او تقدما،  الاستكبار البريطاني هو الذي اسس دولنا ورسم هذه الحدود مع الفرنسي، وهو الذي سلم فلسطين للصهاينة، وهو الذي ارسى الشكل الذي عليه المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، حيث “يسمح” للسعودية ان تحافظ على شعائر الاسلام العبادية وحجاب المرأة وحظر الاختلاط… الخ، ولكن لا يسمح لها بالحديث عن فلسطين او التحرير او المقاومة ، كما لا يسمح لها استثمار ثروتها في التصنيع وبناء اقتصاد حقيقي، وهذا ينطبق على مصر اليوم التي اصبحت اليوم بعد كامب ديفيد اضعف اقتصادات العالم العربي، تعيش على المساعدات المباشرة وكذلك الاردن.

الاميركي يتقن اللعبة ويلعب من خلف الستار ولا يكشف نفسه دائما، ها هو اليوم في اوكرانيا حرّض واوجد كل ما يمكن ان يدفع روسيا للدفاع عن امنها ومحيطها… ولكن الاميركي يظهر في العالم انه يدافع عن حقوق الانسان وعن استغلال الدول وتظهر روسيا كأنها هي المعتدية، مع انها في الواقع تدافع عن نفسها وعن امنها.

في لبنان وسوريا الامر اوضح، ماذا تفعل اميركا في شمال سوريا؟ تسرق النفط وتمنع سوريا من اعادة اعمار نفسها … الخ، في لبنان اميركا تمنعنا من استخراج نفطنا حتى في المناطق غير المتنازع عليها، حتى ترضى اسرائيل، وماذا حل بالغاز والنفط الذي سيأتي من مصر والاردن؟ مر عام على هذا الوعد الكاذب.

الاميركي متغلغل في المجتمعات العربية والاسلامية، ينفذ مؤامراته من خلال عملائه المباشرين، ومن خلال الامية السياسية التي “تتمتع” بها كثير من الجهات “الوطنية” والاسلامية ، بحيث تنفذ هذه الجهات وهؤلاء “الاصدقاء” المؤامرة الاميركية من حيث يعلمون او لا يعلمون.

هذا ما حصل منذ 17 تشرين 2019 الى اليوم، وما يحصل في العراق اليوم، اما ما حصل في سوريا فكان مؤامرة اميركية كونية واضحة، عبرت عن نفسها مرارا وتكرارا، ولكن بسطاء امتنا واغبيائها لا يزالون يرون ،بغباء بالغ، انها كانت ثورة الشعب السوري.

ان اية حركة اسلامية او وطنية او اية حركة اصلاحية كبيرة ام صغيرة، وعلى مستوى الامة كما على المستوى المحلي، ان لم تضع في اولوياتها مواجهة النفوذ الاميركي في تفاصيل حياتنا كما في الامور الكبرى، فانها تضيّع الوقت وتنحرف عن طريق الصواب.

وعلينا ان نتذكر ان بداية الاستعمار كانت اثر افتتاح قناة السويس عام 1869، حيث أغرت “بريطانيا العظمى” آنذاك الخديوي اسماعيل، بأن يقترض ثروة ضخمة ليقيم احتفالا تاريخيا بافتتاح القناة، ثم طالبت بريطانيا مصر بايفاء الديون، ولما لم تستطع مصر ان توفي بالديون اتخذت بريطانيا العظمى هذا الامر ذريعة لبداية استعمارها لمصر، ونفس الامر تكرر في لبنان، القروض التي حصل عليها الرئيس رفيق الحريري، رحمه الله، كانت بداية الازمة التي نحن عليها، وكان يفترض ان تلغى كل الديون اذا ما سلك لبنان طريق السلام الاميركي المزعوم، ولكن ذهب المشروع والسلام المزعوم وبقيت الديون.

وطبعا برأينا ان الرئيس الحريري رحمه الله اتخذ موقفا مواليا للمقاومة بشكل او بآخر، وكان هذا سبب استشهاده.

ولنا أن نسأل: هل المؤامرة الاميركية او المؤامرات قدرا لا بد ان ينفذ؟ بالتأكيد لا، هزم المشروع الاميركي في سوريا وفي العراق وفي ايران واليمن، وفي لبنان ايضا لم تحقق المؤامرة هدفها ولن يحصل ما اراده الاميركيون ومن معهم: ان يدفع الحصار الاقتصادي والازمة الاجتماعية في لبنان المجتمع اللبناني الى اتهام المقاومة وادانتها، ولم يحصل ذلك، بل ان المقاومة اصبحت اكثر شعبية واكبر قدرة.

برأينا المتواضع ستغير اميركا خطتها الفاشلة، ونرجح وفق ما نفهمه من البراغماتية الاميركية، اي النفعية البعيدة عن كل المبادئ، ألا تقف اميركا في وجه انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية رغم كل شيء، ويبقى ان كلامنا الاخير هذا هو تحليل وليس امرا يقينياً.