أوهام التوطين

بسم الله الرحمن الرحيم


موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 6 جمادى الاولى 1443هـ الموافق له 10 كانون الاول 2021م

أوهام التوطين

كعادته، لم يكن جبران باسيل موفقاً باعتباره قرارات وزير العمل بشأن عمل الفلسطينيين في لبنان توطيناً مقنعاً… فمن جهة، فان التشبيه بعيد جدا عن الواقع وعن الاحتمالات الممكنة، ومن جهة اخرى، فان هذا الموقف يوحي بأن فريقاً كبيراً من اللبنانيين لا يزال اسير اوهام الحرب اللبنانية المؤلمة، وبالتالي لا يزال هؤلاء اداة بيد القوى الكبرى والصغرى التي تلاعبت بعقول اللبنانيين وجعلتهم وقوداً لحرب داخلية مؤلمة، يُصدّق فيها الى حد بعيد المقولة المشهورة (حرب الآخرين على ارضنا).

لقد استطاع الاميركي والصهيوني تحريض فريق من المسيحيين على شركائهم المسلمين في الوطن، لينخرطوا في تلك الحرب – المؤامرة، تحت عنوان: الخوف من توطين الفلسطينيين، كما استطاعوا ان يحرضوا المسلمين على شركائهم المسيحيين باعتبار ان المسيحي يريد ان ينشيء في لبنان وطناً قومياً مسيحياً متجانساً مع الوطن القومي الصهيوني في فلسطين المحتلة.

ولم يكن هذا صحيحاً ولا ذاك، بشكل كامل مع فارق بين الامرين، ولم يكن من انخرط في هذين المشروعين المدمّرين الا قلة من هنا وهنالك، بشكل عام، ولكن استطاعت الاحداث والاعلام المغرض والتلاعب بالاخبار وابراز شخصيات على حساب اخرى في لعبة اعلامية عالمية سياسية متكررة، استطاع كل ذلك ان يجعل الامر يبدو من هنا وهناك كأنه حقيقة واقعة حتى استمات كلا الفريقين في قتال الآخر: لقد اصبح لكل فريق قضية مقدسة يموت من اجلها “شهيداً”.

هذا مختصر من جذور حربنا الاهلية المؤلمة، وهذا المصطلح (التوطين) يذكرنا بتلك الحقبة ويؤكد اننا لم نتعلم من اخطاء الماضي.

وللتاريخ وللحقيقة نقول: لم يكن التوطين في اي يوم من الايام مشروعاً حقيقياً، لقد كان فزاعة مرعبة ووهماً من الاوهام الكبرى، والسبب ليس فقط وطنية المسلمين في لبنان كما القرارات العربية التاريخية التي تؤكد ان التوطين جزء من المؤامرة على القضية، وليس فقط تمسك الفلسطينيين بأرضهم بل ايضاً وايضاً وقبل كل ذلك وبعده، لقد كان  السبب الرئيسي هو رفض الكيان الصهيوني لهذا المشروع – الفزاعة، فلم تكن اسرائيل يوماً ما لترضى بأن يتوطن الفلسطينيون على حدود الارض المحتلة: يمكن للصهاينة ان يرضوا، بل يمكن ان يسعوا الى توطين الفلسطينيين في الجزائر او في الخليج مثلاً، او في اي بقعة من الارض، في سيبيريا مثلاً او جنوب افريقيا، ولكن لم يكن الصهاينة ليقبلوا بتوطين الفلسطينيين في لبنان او الاردن او سيناء او مصر، وهذا واضح في مواقفهم التاريخية وفي مخاوفهم المتكررة من الوجود الفلسطيني.

كما انه من اكبر الاخطاء والخطايا ان يستمر ذلك الخلط الكبير بين الحقوق الانسانية للاخوة الفلسطينيين في لبنان وبين فكرة التوطين “غير القابلة للتطبيق”.

ان هذا الخطأ الجسيم كان ايضاً في جذور الحرب اللبنانية ، حيث اعتقد فريق من اللبنانيين ان اهانة الفلسطيني، والمبالغة في سوء معاملته، يشكل ضمانة لعدم اندماجه في المجتمع اللبناني، فكانت تلك المعاملة البغيضة المنافية لأبسط المبادئ الاخلاقية والانسانية، لقد كان هذا الظلم واحداً من العوامل التي دفعت فريقاً من الفلسطينيين للتمرد على القوانين اللبنانية والخروج من تلك المعتقلات الكبرى التي كانت تسمى “مخيمات، ويصر الصهيوني ان يسميها “معسكرات”..

ثم ان هذا القانون، قانون العمل، مرتكز على القوانين اللبنانية، ولا يخترق قوانين النقابات المهنية للمهن الحرة … الخ، وتفاصيل ذلك واضحة لا تحتاج الى هذا الضجيج.

ان انتقادنا المستمر لمواقف وتصاريح، جبران باسيل يجعل البعض يقول ان هذه المواقف ستنعكس ايجاباً على خصمه في الساحة المسيحية (سمير جعجع)، وطبعاً لن تكون القوات اللبنانية في يوم من الايام بديلاً عن التيار الوطني الحر، ولم ولن يكون جعجع شريكاً مخلصاً في الوطن، انه مثقل بتاريخ بغيض من العمالة والجرائم والهزائم، ولكن هذا لا يعني ان نسكت عن اخطاء “حليفنا” الذي ينبغي ان يكون مثالياً، خاصة في القضايا الكبرى، ومنها هذه القضية، ولكن للاسف، غرق في سفاسف الامور من حراس الاحراش الى كل الترهات التي يعبر عنها دائماً بانعدام كامل للمسؤولية.

والمسلمون بشكل عام، باستثناء اخطاء وخطايا حصلت من الجميع، كانوا بشكل عام اخلص للصيغة اللبنانية واكثر استبسالاً في الدفاع عن لبنان واوضح رؤية، منذ تأسيس الكيان وصولاً الى المقاومة الاسلامية والتحرير، ان المسلمين اليوم في مأزق حقيقي عليهم ان يختاروا، بين السيء والاسوأ، متذكرين قول ابي فراس الحمداني:

وقال اصحيابي: الفرار ام الردى              فقلت هما أمران أحلاهما مُرّ

ومهما يكن الأمر سيظل حرص المسلمين، بشكل عام، على العدالة والرفق بشريكهم في الوطن مبدءاً ثابتاً لا يتغبر حتى في أحلك الظروف.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 10-12-2021: https://youtu.be/G_ggI0pmDDM