ازمة اخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم


موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 19 محرم 1443هـ الموافق له 27 اب 2021م

ازمة اخلاق

يتضح من اخبار الاسبوع الماضي اننا في ازمة اخلاق قاسية، اضافة الى الازمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية على انواعها، فان المحتكر الذي يسمح لنفسه احتكار الدواء او الوقود على انواعه او اية سلعة يحتاجها المواطن وتشتد حاجته اليها في ظل الاوضاع الخانقة التي نعيش، ان من يسمح لنفسه بذلك من اجل زيادة ثروته الفاحشة، فلا شك انه (حطب جهنم)، وهل يكفي ان نقول ذلك؟ ان هؤلاء لا يعني لهم الحساب في الآخرة الا القليل ، ولا يشكل حافزا لردعهم عن اعمالهم المنكرة.

الذي يعنينا اليوم ان نؤكد ان هؤلاء جزء رئيسي من ازماتنا، بل لعل اهم ما في الازمات التي نعيش ازمة الاخلاق المفقودة عند القادة والسياسيين والبارزين في مجتمعنا، وانه بالتأكيد لو ان الاخلاق وجدت لارتدع السياسيون عن اللعب بمصائر الناس وكذلك الاقتصاديون والمصرفيون وقادة الاحزاب والجميع.

واللافت ان ازمة الاخلاق هذه تشمل جميع ابناء الوطن، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والحربية والطائفية، وكأنها رسالة من الله للجميع ألاّ يفخرّن احدٌ على احد: عند الجميع ثمة محتكرون وسارقون وناهبون ولاعبون بمصائر الناس.

وبالتأكبد ان ما يزيد الازمة انه لا توجد قدوة صالحة في مجتمعنا، الا ما ندر، ان الانسان مفطور على تقليد البارزين في المجتمع ، فكل البارزين الا النزر القليل قدوة فاسدة، يتسابقون على جمع الاموال وتكديسها، كما يتسابقون على المناصب والامساك بزمام الامور على حساب كل القيم الاخلاقية المتفق عليها بين الامم وعلى مدار التاريخ .

المطلوب طبعا انزال اشد العقوبات بهؤلاء المحتكرين ، ولكن للاسف نعلم مسبقا ان من يعاقب ليس افضل ممن يعاقب، وليس السجان بأصلح من السجين، وبالتالي لن تشكل العقوبة في ظل الفوضى التي نعيش فيها حلا جذريا لمشاكلنا.

 

والسؤال الذي يتكرر دائما: هل ما نعانيه من مصائب وازمات هو عقوبة الهية ام امتحان رباني لصبر المؤمنين؟ والجواب باختصار  مدعّم بالادلة الشرعية القاطعة ، ان ما نعانيه هو عقوبة الهية لمن كفر بأنعم الله، لمن بطر وتكبر وسرق واحتكر ولمن غطى هؤلاء، هو عقاب لهؤلاء ومن معهم، وهو عقاب اولي وعقاب الآخرة اكبر لو كانوا يعلمون.

وفي نفس الوقت ما نعانيه هو ثواب ومغفرة ودرجات لمن شكر وصبر واحتسب امره الى الله وقام بواجبه كاملا تجاه ابناء مجتمعه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طالبان؟:

العالم يترقب بحذر وشغف: هل “توبة” طالبان وتراجعها عن المخالفات الشرعية التي ارتكبتها، هي توبة حقيقية ام مداراة للاوضاع ونفاق سياسي؟ نحن نرجح الامر الاول ونرى ان طالبان راجعت اخطاءها في مجال تعليم المرأة  وفرض النقاب بالقوة وفي مجال القتل الجماعي الذي تمت ممارسته بحق من يخالفهم وتكفير الفرق الاسلامية الاخرى، وتشويه او اختزال فكرة الحكم الاسلامي بطريقة منفرة، ولعل اهم ما قاموا به ان اصدروا قانون عفو عمن تعامل مع الحكومات السابقة ومع المحتل … الخ، ولا شك ان ايران لعبت دورا  مهما في دفع هؤلاء الى مراجعة اخطائهم، وفي ذلك تفصيل كبير، وذلك ان الشهيد سليماني  والحرس الثوري قاموا برعاية هؤلاء بعد انسحابهم من معركة طورا بورا وامنّوا لهم مستلزمات الحياة واجروا حوارات ناجحة معهم، هذا ما نعلمه حتى الآن، وسنتابع.

اما ما حصل في مطار كابول امس انفجارات طالت المنسحبين فنقول في ذلك:

اولا: ندين الاعلام المنحرف الذي تحدث عن مقتل 12 اميركي دون الحديث عن حوالي مائة من الضحايا الافغان، وكأن الدم الاميركي هو دم ملكي ودم الآخرين لا قيمة له، للاسف ان بعض اعلامنا يمارس العنصرية اكثر من الاميركي البشع نفسه.

ثانيا: نتساءل: ان كان من قواعد القتال عندنا الا نجهز على قتيل وألاّ نلاحق مدبرا فارا ، فهل ضرب الاميركي خلال انسحابه هوقرار صائب؟ الله اعلم .

لكن المؤسف ان داعش لا تزال تمارس عملية القتل الجماعي، حيث يقتل ابرياء ومسلمون الى جانب الاعداء والمحتلين، هؤلاء لا يقرأون القرآن ولا يهتدون الى الدليل الشرعي الذي يحرم القتل الجماعي ، حيث يختلط الكفار بالمؤمنين والابرياء بالمرتكبين وابناء الوطن بالمحتلين آخره، وكان يكفيهم ان يقرؤا الآية رقم 25 من سورة الفتح { …  وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، حتى يعلموا ان هذا القتل الجماعي محرم شرعا.

هذا القتل البشع الذي يمارس منذ سنوات في العراق وسوريا ولبنان وفي كل مكان، من خلال سيارات مفخخة وانتحاريين يقتلون الناس في الشوارع والمساجد وغيرها، جرائم حقيقية بحق الاسلام قبل ان تكون جرائم بحق الناس.

هؤلاء لم يراجعوا انفسهم ولم ينتبهوا الى جرائمهم التي ترتكب باسم الاسلام .

لا حول ولا قوة الا بالله …

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 27-8-2021: https://youtu.be/lT2X90v1VeU