فاقد الشيء لا يعطيه

بسم الله الرحمن الرحيم


موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 20 ذو الحجة 1442هـ الموافق له 30 تموز 2021م

فاقد الشيء لا يعطيه

يتحدثون عن الفساد والاصلاح… واكثرهم، الا القليل متورطون بالفساد حتى آذانهم، ومثَلَهُم كمثل فرعون في القرآن الكريم الذي كان رمز الفساد وكان شعاره عن موسى {…إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)} (سورة غافر)، كما قال {… أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)} (سورة غافر)، فرعون يدل على سبيل الرشاد ؟؟؟.

هكذا نرى مثلا سياسيين مشهورين بالفساد ويمارسونه علنا ويتحدثون عن فساد الطبقة السياسية وهم منها بالتأكيد، وكذلك وسائل اعلامية فاسدة حتى نخاعها تسخّر شاشاتها للدعوة الى الاصلاح، فمن اين يأتي هذالا الاصلاح؟.

ومن المعلوم بالتأكيد ان السفارة الاميركية تصرف اموالاً طائلة استثماراً لفاجعة المرفأ، واصبح الامر اشبه بشعار الخوارج : لا حكم الا لله، فكان الشعار المشهور الذي رفعه الامام علي عليه السلام: (كلمة حق يراد بها باطل)، بالتأكيد ان احياء ذكرى فاجعة المرفأ في 14 آب امر ايجابي وضروري ، ولكن بالموضوع تستغله فئات تنحرف وللأسف عن اهدافه السليمة.

كما اننا نستطيع ان نلخص جانبا من الازمة السياسية اللبنانية ببعض الاقول المأثورة التي قد تساعدنا على فهم الاسباب والبحث عن المخارج، ولعل بعض هذه الاقوال:

  • (رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده)، يقابله (هلك امرؤٌ لا يعرف قدر نفسه)، اكثر السياسيين من بيدهم القرار لا يقدر احدهم قوته وما يمثل، فكلٌ يعظم حجم انصاره واتباعه والفئة التي يدّعي تمثيلها، وبالتالي تكون طلباته وشروطه اكبر مما يقبله الآخرون، وهذا ما رأينا جزءاً منه في مقابلة (جبران باسيل) التي عظّم فيها قدره ومن يمثل، وبالتالي كأنه اذهب الكثير من التفاؤل الذي بثته لقاءات الرئيس المكلف ميقاتي مع الرئيس عون.
  • (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر)، فعندما تم تكليف الرئيس ميقاتي، علت اصوات تتحدث عن امرين كبيرين، كان خلف فرض “جزية” على اللبنانيين، 500 دولار على كل خط خليوي، على امل اعادتها ولم يحصل ذلك، واستدانته من قرض الاسكان لاتباعه، وكان يستطيع ان يعطيهم من ماله الوفير، وان يوفر هذا المال للمحتاجين … الخ، هذا صحيح بالتأكيد

ولكننا بنفس الوقت ننظر الى البدائل المطروحة، والى من يرفع الصوت اعتراضا، فنراهم بدورهم غارقين بأنواع مماثلة او مختلفة من الفساد، فليس الفساد بالتأكيد نوعا واحدا، فاننا نجد ان الذين يتهمون اخصامهم بالفساد يخفون النوع الذي “يمارسون” من الفساد وهم قادرون على ذلك.

  • (من بعدي الطوفان…)، مقولة لويس الرابع عشر الشهيرة، يمارسها كثيرون، مقولة اودت به وجعلته عبرة لمن يعتبر، ولكن للاسف كثيرون يمارسون هذا السلوك، فلا ينظرون الا الى مصالحهم ومصالح فئاتهم مهما كان حجمها او كانت حاجاتها.
  • في القرآن الكريم {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(44)} (سورة البقرة)، هذا ينطبق على من يرفعون رايات الاصلاح ويحاضرون في العفة ولا ينظر احدهم الى نفسه، نرى كل سياسي يعلن تبرأه من الطبقة الحاكمة فيما هو جزء منها دون شك كما قلنا.

الاصلاح يحتاج الى الالتزام بأبسط المبادئ الاخلاقية التي يتعلمها الصغار في طفولتهم، ولكن… للاسف…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اما عن تونس، فنقول : اولا اذا انتقدنا الحركات الاسلامية على مساحة العالم الاسلامي فذلك لاننا من هذه الحركات، ننتمي اليها بالفكر والثقافة والنظرية العامة، وكنا نعلق عليها  الآمال الكبار، ولكن اصبنا بالاحباط بسبب تناقض الافعال مع الاقوال والانحراف السياسي المُفجع، نحن ننتقد من باب الاصلاح وليس من موقع العداء والتربص، كما يفعل بعض العلمانيين وكثير من الدوائر السياسية في العالم كله.

وبعيدا عن تقويم خطوة الرئيس (قيس سعيد) الذي نّكن له كل الاحترام ونرى انه مؤهل للتعاون معه لا ان يُحاصر باشكال متنوعة، نقول كيف نفسر رفض حركة النهضة لقانون تجريم التطبيع؟ وكيف نفسر زيارة راشد الغنوشي لمنظمة (ايباك) الصهيونية الداعمة لاسرائيل؟ وكيف ندفع تهم الفساد التي تحاصره والعائلة والمقربين؟ وكيف يفسر بعضاً من السلوك السياسي الذي يُفهم منه التفرد والتعالي على الآخرين؟ … الخ، نقول ان كان الاسلاميون يسلكون في ممارستهم السياسية ممارسة الآخرين وغير الملتزمين، فأي فضيلة لهم على غيرهم؟ ولماذا يطالبون بأن يكونوا استثناء عن الآخرين؟ وهذا قد ينطبق على اكثر الاسلاميين في بلادنا وللاسف الشديد، فلا ينبغي لنا ان نرفع شعار: هي حرب على الاسلام قبل ان نكون مسلمين كما ينبغي وكما يأمر تعالى.

ثم لا ينبغي ان ننسى دور “المصالحة” بين قطر والامارات، حيث تعتبر قطر الراعية “للاسلاميين” وتعتبر الامارات العدو الرئيسي لهم، انعكست هذه المصالحة على تونس بشكل مباشر، فكان ما كان، والله اعلم.

رابط فيديو: خطبة الجمعة: 30-7-2021: https://youtu.be/8UzPEdN5EXU