بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة للبطريرك الراعي
صيدا في 17 رجب 1442
الموافق 1 آذار 2021
صاحب الغبطة، بعد التحية، معرفتنا بك ليست جديدة، كنا نتابعك عندما كنت مطران جبيل، ثم كان التعارف المباشر في خريف عام 1992، حيث كنت أمين سر السينودوس من أجل لبنان، حيث عُقدت إحدى اجتماعاته في دير سيدة الجبل -فتقا- المطل على خليج المعاملتين حيث أجمل المناطق اللبنانية أو من أجملها، وكنت لولب المؤتمر، وكانت لي كلمة، واستمع لي الأباتي (شربل نعمان) الذي قال ما معناه: أنا أنتظر الاستماع إليك بشغف… وكان لي تعليق على فقرة كان يفترض أن يتضمنها خطاب قداسة البابا عن لبنان، والفقرة تقترح أن يُعتبر الأمير فخر الدين المعني الثاني، رمزا للبنان باعتبار أنه أسس نواة لبنان المستقل الحديث، وكان كلامي واضحاً، وقد شاركني بعض الحضور: لا يمكن اعتبار فخر الدين المؤسس للبنان المعاصر لأنه تعامل مع جهة أجنبية، هي إمارة توسكانا، لإقامة إمارته اللبنانية، فضلا عن أننا لا نعلم حقيقة دوافعه لإقامة هذه الإمارة، وهل هي لإقامة كيان عادل منصف مثلاً، أو هو طموح الرئاسة والزعامة فقط، ومن المعلوم أن مفهوم الدولة الحديثة المستقلة لم يكن قد تبلور بعد، والدول كانت قائمة على القوة والتوسع، الخ، وآثار ارتباطه بالأجنبي واضحة عندنا في صيدا، مثلاً قد أعطى كثيراً من أوقاف آل حمود للأجانب، فتحول خان البحر إلى خان الإفرنج، وقصر آل حمود أصبح فيما بعد قصر آل دبانة، وما إلى ذلك، ولا يمكن أن نرى في حرصه على حصار صيدا وإعطاء أوقافها للأجانب جانباً إيجابياً، طبعا نحن هنا لا ننكر إيجابيات كثيرة تنسب إليه، كزرع الصنوبر جنوب وشرق بيروت ليحميها من العواصف الرملية، وكثير من الانجازات العمرانية، الخ…
وعلى ما أذكر أن ملاحظتنا هذه أُخذت بعين الاعتبار، ولم يتم إقرار اعتبار فخر الدين كرمز للبنان تجتمع عليه المكونات اللبنانية، وبالتالي لم يُذكر في خطاب البابا يوحنا بولس الثاني، الذي يحفظ الجميع منه تلك الجملة الشهيرة: (لبنان رسالة وليس مجرد وطن)… ولا شك لقد كان لك دور مميز في صياغة هذا الخطاب التاريخي رغم أن تبديلا حصل، على ما نعلم ، في شخص أمين سر السينودوس التاريخي، قبل أن ينهي أعماله.
ثم جمعتنا مناسبة أخرى في صيدا ، في مركز الشهيد معروف سعد في أوائل العام 1994 حيث كان الموضوع: لماذا أقامت دولة الفاتيكان علاقة مع الكيان الصهيوني؟ وكان المبرر لهذه الخطوة بأن أصحاب القضية قد أقاموا علاقات مع إسرائيل، فلماذا لا يقيم الفاتيكان علاقة دبلوماسية معها، وقد امتنع عنها زهاء خمس وأربعين سنة رافضاً الاعتراف بدولة الاحتلال؟ وكان جوابنا بأننا نطالب أن تتعامل دولة الفاتيكان بما تمثل، مع الشعوب وليس مع الأنظمة، وقد رفضتُ وقتها مقولة ستالين عندما طلب الفاتيكان أن يكون له ممثل في مؤتمر يالطا، قائلا : كم دبابة يملك البابا حتى يجلس معنا؟… وقلت أن القوة المعنوية للفاتيكان لا تقاس بالسلاح ولا بالجيوش. لقد كان الشعب الفلسطيني رافضاً لاتفاق أوسلو، ولم يكن الاتفاق إلا خضوعا للتآمر الدولي والعربي على القضية الفلسطينية، فضلا عن أخطاء مورست باسم المقاومة الفلسطينية… وقد تبين للجميع اليوم بعد قرابة ثلاثين عاما أننا على حق…
المقصود بهاتين المحطتين الرئيسيتين في العلاقة مع غبطتك قبل أن تُتَوج مسيرتك الكهنوتية باعتلاء منصب البطريركية… ثم الكاردينالية، أمر رئيسي: هاتان المحطتان ترتكزان على العلاقة مع الأجنبي في لبنان كما في فلسطين والموقف المفترض للكنيسة من هذا الأمر.
وصدمتُ بعد ذلك إذ توليتُ الدفاع عن زيارتك للأرض المحتلة عام 2014، قائلا لمن سألني رأيي وقد نُشر في الإعلام طبعاً: ليست هذه الزيارة تطبيعاً، إنها زيارة رعوية تتجاوز الحدود السياسية… ولكنك فاجأتنا بلقائك مع العملاء ودفاعك المستميت عنهم دون أي مبرر قانوني أو أخلاقي… وقيل لنا وقتها أنه عند عودتك آثرت الانفراد بنفسك ورفضت تلقي الاتصالات واستقبال الزوار، فيما فُهم أنه تعبير عن شعور غبطتك بالندم على تلك الخطوة أو على ذلك الكلام الذي لم يكن مناسباً لمقامك المميز ولما تمثل.
ولا أنسى أن أقول قبل أن ندخل إلى صلب الموضوع: قيل في الإعلام ان مجيئك إلى سدة البطريركية كان بقرار من الفاتيكان قبل أن يكون انتخاباً، لأنك تمثل الاعتدال والبعد عن عن الانحياز السياسي الذي لا يتبناه الفاتيكان.
أعتبر كل ذلك مقدمة لندخل في صلب الموضوع:
أولا: ماذا يعني الحياد؟
عندما تحدثتَ عن الحياد قبل أن تتفاقم الأزمة الحكومية الراهنة، ماذا كان يعني ذلك؟ في لبنان لا يمكن أن تحمل كلمة الحياد إلا الحياد عن الصراع مع المحتل الإسرائيلي… دون أن نناقش جواز ذلك ديناً أو قانونا أو من أي منطلق آخر: إنساني كان أو بداعي المصلحة أو غير ذلك…
هل هذا ممكن؟ لو أننا رضينا لأنفسنا الحياد، هل سترضى به “إسرائيل”، هل ستتوقف عن طمعها بمياهنا وأرضنا وغازنا ونفطنا؟… هل سترضى أن تتعايش مع من أذاقها الهزيمة وأوقع فيها الخسائر الفادحة، هل ستتوقف الاغتيالات الانتقامية؟
بالمناسبة، أنا أجزم هنا بأن إسرائيل هي التي اغتالت (جورج حاوي) انتقاماً على سبيل المثال وليس الحصر، لأنه شارك في المقاومة وأعلن تأسيس جبهة المقاومة اللبنانية (جمول)، انتقمت منه إسرائيل رغم أنه أصبح في صفوف 14 آذار، الجهة الأقرب إليها. لكنها لن تنسى من قاتلها…
وعلى فرض أننا قبلنا بالحياد المزعوم، هل ستتوقف إسرائيل بعملائها المعلنين أو السريين عن التآمر على الكيان اللبناني (لبنان الرسالة) الذي يفضح عنصريتها المغرقة؟… وقد ثبت وسيثبت ان كل النزاعات ذات الطابع الطائفي ثم المذهبي كان خلفها فتيل اسرائيلي خفي.
لا يوجد على حدود سويسرا “إسرائيل” وليس على حدود الدول الاسكندينافية عدو… ومع ذلك كان حياد هذه الدول مستندا إلى إقتصاد قوى وموارد غنية وطبيعة هادئة وعدد من السكان هو أقل بكثير من أن يشغل تلك المساحات المترامية الأطراف، الخ… كل ذلك ليس عندنا.
إذن، المطلوب أولاً شرح المعنى المقصود من الحياد، وإلا فإن المعنى الوحيد لهذه الكلمة هو الاستسلام للعدو الصهيوني، يعني تسليم المسيح عليه السلام لجنود القيصر، كما يعني باختصار أن نتحول جميعا إلى يهوذا الاسخريوطي… حتى من دون ثلاثين من الفضة.
هل هذا هو المطلوب؟…
كما يمكن أن يضاف إلى هذا المعنى، الحياد تجاه المد التكفيري الذي كاد أن يحقق “إنجازات” واسعة في لبنان كما في سوريا…ولقد سربتَ مرة يتيمة تقديرك لمن حارب التكفير والتطرف وإلا كاد أن يصل إلى جونية، هل سيشمل الحياد حيادا ازاء مثل هذا الخطر الداهم؟ وبالتجربة نقول: دعوت غبطتك إلى الحياد وإلى تطبيق الطائف، فيما أنك بشك واضح دعوت إلى توقيع مرسوم كتاب العدل لأن الميزان الطائفي لصالح المسيحيين، ولم تطالب بتوقيع المراسيم بما فيها مرسوم الناجحين في مجلس الخدمة المدنية وغيرهم، لأن الميزان الطائفي ليس لصالحكم، وهذا يخالف الحياد، كما يخالف اتفاق الطائف، كما يخالف أبسط مفاهيم العدالة فضلا عن أنه يقوض فكرة بناء الدولة، وماذا عن الدغاع عن رياض سلامة؟ إنه يصب بنفس السياق.
ثانيا: التحرير:
ورد في كلمتك في الصرح البطريركي أمام الحشود في 27 شباط أن علينا أن نحرر الدولة بعد أن حررنا الأرض…
ماذا تعني بالتحرير، لعلك قصدت خروج القوات السورية في نيسان 2005، لماذا لم تقل بالفم الملآن وبكل فخر واعتزاز أن المقاومة اللبنانية حررت لبنان بعد أن قدمت الشهداء والكثير من التضحيات، ليس مطلوباً أن تسميها باسمها: المقاومة الإسلامية أو مقاومة حزب الله، يكفي أن تقول مقاومة اللبنانيين أو أهل الجنوب، أو أي كلمة أخرى إن كان الأمر يحرجك! المهم حدد يا صاحب الغبطة، واصرخ علانية: تحرير لبنان من العدو الاسرائيلي كان نصراً لكل اللبنانيين، فإن لم ترغب فعلى الأقل كان التحرير انتصارا لرميش وعلما الشعب ودبل وعين إبل، والقليعة، ولا بأس بذكر ابل السقي ومرجعيون وحاصبيا وان كانوا من مذهب آخر، الخ… ألا تعنيك تلك القرى المارونية وغيرها؟
وهنا لا بد من وقفة: انه لمن الطبيعي أن توجه الانتقادات إلى المقاومة وإلى حزب الله، وصولا إلى المطالبة بتسليم سلاح المقاومة للجيش اللبناني… هذا طبيعي بغض النظر عن التفاصيل، وعن الوقائع وعما ستصل إليه نتيجة هذا المطلب، ولا ينسحب بالضرورة نجاح حزب الله بالمقاومة على ممارستها السياسة في الساحة الداخلية، ولكن قبل كل ذلك لماذا يتلعثم المنتقدون؟ لماذا يجتزئون الحقائق؟ لماذا لا يعترفون بأهمية ما قدمت للوطن ثم يطرحون انتقاداتهم؟ لماذا لا يقولون مثلا: هذه المقاومة البطلة التي حررت لبنان وأعطته بعدا سياسيا ومعنويا كبيرا بحيث أصبح وكأنه دولة عظمى تهزم واحدا من أقوى الجيوش في العالم، وفي نفس الوقت لم تطالب بشيء مقابل ذلك، فقط ألا يُتآمر عليها، ألا تطعن في الظهر، ألا يُسلم رأسها لهيرودوس ليسلمه بدوره إلى (آستير)، أن تكون جزءا من السياسة المحلية، لها رأي ضمن آراء ولها موقع ضمن مواقع، الخ…
قبل أن ننقد المقاومة، ونحن أيضا لا نوفرها من الانتقاد، خاصة في المجال السياسي التفصيلي, فلتكن هنالك كلمة واحدة تجمع اللبنانيين، هذه مقاومتنا هذا التحرير لنا جميعا…
قبل هذا الاعتراف الواجب يصبح كل انتقاد وكأنه نكران للجميل، بل كأنه تأييد للصهيوني وتفضيل للاحتلال على التحرير.
غبطة البطريرك:
حيثما حررت المقاومة تولت الحكم، في الجزائر، في تونس،ن في فرنسا، في كل مكان…
حزب الله لم يطلب الحكم، ولم يطلب حتى المناصب الرئيسية للطائفة الشيعية، وأؤكد لغبطتكم أنه لا يسعى لذلك في المستقبل كما ورد على لسان غبطة الراحل نصر الله صفير. فقط يطالب فقط بشيء من العرفان، هل هذا كثير؟
ثالثا:المؤتمر الدولي:
إن أيه جهة دولية سترعى مؤتمرا مفترضا لأجل لبنان، لن تراعي إلا مصلحة العدو الصهيوني… إن لبنان لا يعني للأميركي ولا الفرنسي ولا لغيرهما شيئا مميزا… بل اصبح لا يعني حتى لبعض الأعراب إلا الأمن الإسرائيلي…. لبنان النبع وصنين وكتف الوادي والعنزات ووادي لامارتين ووادي قنوبين لا يعني لهم شيئا اليوم، لقد تجاوزت الأيام تلك الأجواء الروائية، اليوم بالنسبة لهم ومن موقع آخر لقد أصبح وادي الحجير ووادي السلوقي أهم بكثير من بقية معالم لبنان، لقد تغيرت المعادلات وسقطت مقولة الجيش الذي لا يقهر… وبالنسبة إلينا نقول هنا مرغ أنف المعتدي بالتراب، هنا سقط الاستكبار الصهيوني وانتصر طالوت على جالوت، هنا باب للعزة والكرامة وللمستقبل الواعد، أما هنالك فقد استغنى العرب عن ربوع لبنان بالمباني الزجاجية والربوع المصطنعة في دبي ويعمل محمد بن سلمان على مثلها في (نيوم) وغيرها… كذلك شرم الشيخ أخذ الكثير من وهج لبنان، الخ…
لبنان اليوم بالنسبة إليهم هو المقاومة، هل ترغب بتسليم رأسها للأميركي أو للفرنسي أو حتى لعرب الخيانة؟…
رابعا: المسيحيون في الشرق…
يجب أن نعترف ويعترف الجميع بأن المسيحي في الشرق يعاني من عقدة الاضطهاد… ولا مجال للنقاش في حقيقة الظلم الذي وقع على المسيحيين خلال القرون الماضية ولكن… أليس من الضرورة الاعتراف أن الظلم كان استثناء من القاعدة…
وأسئلة تطرح:
أ- هل موقف الإمام الأوزاعي هو الأصل أم قرار الوالي العباسي الذي امتثل لفتوى الإمام الأوزاعي؟
ب- هل موقف عبد القادر الجزائري من مجازر 1860 يمثل الإسلام، أم الغوغاء التي عمت الجميع؟
ج- هل الظلم وقع على المسيحيين لأنهم مسيحيون أم أن هنالك اسباباً سياسية متعددة؟
د- هل الظلم وقع خلال حكم المماليك والعثمانيين فقط على المسيحيين أم وقع مثله على المسلمين؟
هـ- هل داعش والنصرة يمثلان الإسلام، أم مشاركة حزب الله في الدفاع عن رأس بعلبك والقاع وصيدنايا ومعلولا وغيرها هو ما يمثل الموقف الإسلامي الصحيح؟
أسئلة كثيرة قد لا يكون من المناسب زجَّها في الخضم الذي نعيشه ولكن لا بد أن نقول… مخاوف المسيحيين يجب أن تُفهم وتقرأ وتقدّر، لا أن تضخم على حساب الحقائق، والحقائق تقول أن العائلات المسيحية والكنائس وكل ما يؤكد إقامة المشاعر المسيحية، كل ذلك جزء لا يتجزء من المدن الرئيسية والمجتمعات الإسلامية في صيدا وبيروت وطرابلس وغيرها… كما أن أي إنصاف للمسيحيين في لبنان لا ينبغي أن يكون بظلم الآخرين وإلا عدنا إلى ما كان سابقا من أسباب الحرب اللبنانية.
وفي هذا الصدد لا بد أن نشير إلى أن ما هو معلن عن موقف الفاتيكان أنه يعتبر حسن العلاقة مع المسلمين من الأولويات، ويغلب على ظننا أن البابا بنيديكتوس السادس عشر قد استقال اثر تسرب كلام له أساء فيه إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم…
وفي هذا الطلب نطالب “ولاية الفقيه” الكاثوليكية بإلزام أتباعها بسياستها العامة… سيكون هذا أفضل بكثير والله أعلم.
خامسا: لماذا لا تعلن القوى التي تمثل جزءاً من المسيحيين في لبنان بوضوح أن العلاقة مع إسرائيل التي توطدت خلال الحرب الأهلية مع بعضهم وكان أخطرها الاجتياح، كانت نتيجتها وبالاً على المسيحيين فضلا عن سائر اللبنانيين؟
هل تحتاج حرب الجبل، بحمدون ثم الشحار الغربي 1983 ثم شرق صيدا عام 1985 ثم الانسحاب عام 2000، هل يحتاج من تعامل مع إسرائيل وقتها إلى دليل أقوى يؤكد أن إسرائيل ليست صديقا لأحد، ليست عونا لأحد؟ وهل يجوز أن يتحدث البعض عن أن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 كان انتصارا للمسيحيين؟ كيف ولماذا وأين؟؟
وإن كانت هذه القوى مربكة بشكل أو بآخر لماذا لا تتحدث بذلك نيافتك بشكل واضح؟ وموقع البطريركية القوي المستقل إداريا الغني بالموارد لا يمنعه شيئ عن اتخاذ موقف مماثل.
وبشكل أو بآخر، هل عملت أمريكا لصالح المسيحيين في لبنان منذ نصيحة كيسنجر للرئيس سليمان فرنجية بالهجرة إلى أمريكا إلى أيار 2008؟
سادسا: ماذا عن العروبة؟
لا نسأل عن العرب إلا عندما يقدمون لنا المساعدات، وعندما يوفرون فرص عمل لشبابنا… العرب والعروبة بنظر الكثيرين هم النفط والثروة… إما إن كانت العروبة تعني الوحدة أو العدالة الإجتماعية أم مواجهة المخططات الصهيونية المدعومة غربيا، فإن العروبة لا تعنينا؟… نعم هذه ليست مسؤوليتك، وليست مسؤولية اللبنانيين مسيحيين كانوا أم مسلمين. ولكن المقام البطريركي ينبغي أن يكون أعلى من المنافع والمصالح التي تأتي وتذهب…الإنسان كقيمة مستقلة عن المال… وما أظن أن سيدنا المسيح عليه السلام إلا مع العدالة والاستقامة ولن يكون مع المال وأهله، خاصة عندما يكون المال طاغياً… متجبراً… وإلا كيف نفهم: أعطنا خبزنا كفاف يومنا ونجنا من الشرير؟ من هو الشرير في هذه الحالة الغني الذي يحاول إذلالنا بماله، أم المقاوم الذي حرر الأرض؟ المعتدي السعودي مثلا أم اليمني الفقير؟ وهل وصلت الأم تيريزا إلى ما وصلت إليه إلا لأنها خالطت الفقراء ووقفت معهم وناصرتهم ولم تميز بينهم على أساس الدين أو العرق… أليس المطلوب منا جميعا أن نسير على درب القداسة، سواء وصلنا أم لا؟…
وكما جاء في الإنجيل: لا تعتد باموال الظلم فانها لا تنفعك شيئا في يوم الانتقام[سفر يشوع بن سيراخ 5-10].
غبطة البطريرك، ختاما إن كلامكم الأخير عن خمسة عشر ألفا حضروا لقاء يوم السبت الماضي لا يصب في المصلحة العامة، إذ أنه يدخلنا من جديد بلعبة الأرقام والعدد، وهو أمر مرفوض من الجميع، فضلا عن أن المحتشدين من فريق واحد… هل المطلوب حشد المناصرين في جهات أخرى للمقارنة بين الأعداد.
هل الدخول في هذه اللعبة من جديد يدعم فكرة الحياد أم يقضي عليها في مهدها؟..
غبطة البطريرك الحديث طويل والطريق طويل عسى أن نصل بالحوار إلى ما هو أفضل مما نحن فيه الآن…
دمت والسلام
بقلم الشيخ ماهر حمود